للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أرشد إليه. وهو وإن كان أقل الثلاثة شراً وأخفها ضرّاً (١)، ولكنه إن جاوز حده ركب النفس بالهم والجسم بالسقم، وجعل صاحبه الشاب كهلاً محطماً كئيباً مستوحشاً، يفر من الناس ويجبن عن لقائهم ويخاف الحياة ويهرب من تبعاتها، وهذا حكم على المرء بالموت وهو في رباط الحياة.

وإما أن تغرف من حمأة اللذة المحرمة وتسلك سبل الضلال وتؤم بيوت الفحش، تبذل صحتك وشبابك ومستقبلك ودينك في لذة عارضة ومتعة عابرة، فإذا أنت قد خسرت «الشهادة» التي تسعى إليها و «الوظيفة» التي تحرص عليها والعلم الذي أمَّلت فيه، ولم يبق لك من قوَّتك وفتوّتك ما تضرب به في لُجّ العمل الحرّ. ولا تحسب -بعدُ- أنك تشبع؛ لا، إنك كلما واصلت واحدة زادك الوصال نهماً، كشارب الماء المِلْح (٢) لا يزداد شرباً إلا ازداد عطشاً. ولو أنك عرفت آلافاً منهن ثم رأيت أخرى متمنّعة عليك معرضة عنك لرغبت فيها وحدها، وأحسست من الألم لفقدها مثل الذي يحسه مَن لم يعرف امرأة قط.

وَهَبْكَ وجدت منهن كل ما طلبت ووسعك السلطان والمال، فهل يسعك الجسد؟ وهل تقوى الصحة على حمل مطالب الشهوة؟ ودون ذلك تنهار أقوى الأجساد. وكم من رجال كانوا أعاجيب في القوة وكانوا أبطالاً في الرَّبْع (٣) والصَّرْع


(١) لست أدعو إليه ولكن أقرر حقيقة قررها كثير من كبار الأطباء ووافقوا فيها رأي الفقهاء من الحنفية في الجملة.
(٢) الماء الملح: أي المالح.
(٣) الربع رفع الأثقال، وصاحبه الربّاع.

<<  <   >  >>