ورفيق السفر، ممن تجمع جسدَيكما عربةُ القطار وروحَيكما الرغبة في دفع الملل، فيكون منك سلام ومنه كلام، وملاحظة لما ترى وجواب لما تسمع، وما هي إلا ساعات حتى تتشاركا في الطعام، وتتجاورا في المنام، وتَسّاقط بينكما الأستار، فيرى منك وترى منه ما لا يراه المرء إلا من ساكن بيته وذي قرابته، وما أنت منه ولا هو منك في ودّ ولا إخاء.
ورفيق القهوة ورفيق الملعب ... وضروب من الرفقاء غير من ذكرت، ربما استمرت صلة المرء ببعضهم حتى سمّاهم أصدقاءه، وما هم بالأصدقاء، ولا اختارهم بمِلْكه ولا صاحبَهم باختياره، ولكن الحياة ألقتهم في طريقه وحملتهم على عاتقه، وإذا هو لم يُحْصِهم ولم «يَجْرُدهم» مثلَ جرد التاجر بضاعته، ثم يصنفّهم أصنافاً فيبقي على الجيد ويطرح الرديء، لم يَدْرِ إلى أي هاوية تسوق هذه الصداقات، لأن الصاحب ساحب، وكل قرين بالمقارن يقتدي. ورُبَّ رجل سايرته في طريق أو رافقته في سفر أو عرفته في ديوان، فبذلت له من ظواهر الود ما يبذله الرجل المهذب لمن يلقاه وأنت لا تدري وجهته في الحياة، فنُسب إليك وعُرف بك، واتّصل بك شَرُّه أو أصابك ضُرُّه أو لحق بك عاره، وإذا هو قد ترك فيك أثراً منه من حيث لا تشعر.
وكل كلمة تَنصَبُّ في أذنك إنما هي بذرة كالبذرة التي تُلقى في الأرض المخصبة، قد تكون بذرة خير فتُنبت في نفسك خيراً، وقد تكون بذرة شر فتُنبت في نفسك شراً. ورُبَّ ناسٍ كانوا صالحين فأفسدتهم صحبة شرير بدّل حالهم وأشقى حياتهم، وناسٍ كانوا أشراراً فصلحوا بصحبة الصالحين، ومن