كان مستريحاً من وخز الغريزة يشتغل عنها بعلم أو فن أو رياضة قلب أو جسد، فأوقد عليه نارَها وأذاقه أُوارَها صاحبٌ لا يدري من أين سقط عليه! وآخر يمشي في طريق النار فمشى به صديقٌ في طريق الجنة ... وليس الصديق الذي يذكّرك اللهَ كمن يُنسيك ذكره، ولا الذي يسوقك إلى المسجد للعبادة كمن يقودك إلى الماخور للفجور، ولا مَن يحدثك عن كتاب طالعه لتطالعه أنت كمن يصف حسن راقصة رآها لتسعى أنت إلى مرآها.
* * *
فإذا أردت الخَلّة التي تجمع خلال الخير، والعمل الذي يُصلح الأعمال كلها، فاكتب أسماء أصدقائك وأصحابك ومن تتصل به بروابط الود، وانظر إلى كل واحد منهم: هل هو صالح في نفسه أم هو غير صالح؟ وهل هو مخلص لصديقه أم هو لا يبالي إلا نَفْعَ نفسه ولذتها؟ وهل هو مؤنس لجليسه أم هو فقط مزعج غليظ؟
فإذا فعلت رأيت الرفاق على أنواع، ووجدت فيهم من هو صائم مُصَلٍّ له سَمْت المتقين وزيّ الصالحين، ولكنه يتخذ ذلك سلماً للدنيا وشبكة للمال، ووجدت حقيقته تكذّب ظواهر تُقاه، فإن عاهدته خانك، وإن عاملته غشك.
ووجدت فيهم من هو صادق المعاملة أمين اليد، ولكنه لا يصوم ولا يصلي وليس له من الدين إلا اسمه، فهو يفسد عليك دينك.