«قم، قم، قم»، فقمت وتوضأت وقد سرَّني أني غلبت الشيطان واستجبت إلى طاعة ربي.
وأحببت أن أصلي صلاة خاشعة مخلصة لله، ووقفت للنية مُصَفّياً نفسي من الأكدار نافياً عن فكري الشواغل، أريد أن أدخل على الله وأنا نظيف لم تعلق بذهني أوضار الدنيا، وذهبت أقول:«الله أكبر»، وإذا بالخواطر الدنيوية تنثال عليّ قبل أن أُتمّ تكبيرة الإحرام. فعدت أجمع ذهني وأركز فكري، فإذا حاولت الإحرام فسدت عليّ نية التوجه وتفرق ما جمعت من ذهني. وتكرر ذلك، وعجبت من نفسي، فما كان لي بمثله عهد من قبل. وذكرت الله واستغفرته فعرفت السبب؛ إنه الشيطان، لمّا طردته بالذكر أول مرة ووثبت من الفراش دخل نفسي العُجب وظننت أني صرت من الصالحين، فرأى الخبيث في هذا باباً جديداً يلج عليّ منه، فجاءني متنكراً بهيئة الناصح ليفسد عليّ صلاتي بهذا التكلّف الذي ما عرفه الصحابة ولا التابعون ولا أوجبه الله في كتاب ولا سنّة! (١)
واستعذت بالله منه وصليت، فلما انتهيت قال لي: ما هذه الصلاة؟ أين هذه من صلاة الخاشعين؟ إن الصلاة إذا لم تكن على وجهها كان وجودها كعدمها. فأدركت أن هذه حيلة من حِيَله
(١) كان هذا التكلّف شائعاً في تلك الأيام (ولعله ما يزال كذلك إلى اليوم) ولطالما رأيته في الجوامع وأنا صغير، يجهر المصلي بتكبيرة الإحرام مرة بعد مرة، وما يزال يكررها حتى يشوّش على المصلين صلاتهم، يريد أن يوافق نطقُه بها بلسانه استحضارَ نية الصلاة بقلبه، فهو كمن يسعى ليُدخل بيدٍ مرتعشةٍ خيطاً غليظاً في سَمّ إبرة صغير! (مجاهد).