للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

طالما أضاع على كثير من المسلمين صلاتهم بها، يقول لهم: "ليست الصلاة ركوعاً وتلاوة وذكراً، ولكنّ الصلاة الحقَّ هي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر فلا يأتي المرء معها معصية ولا ذنباً، والتي يقف فيها بين يدي مولاه لا يفكر في شيء قط من أمر الدنيا ولا يذهب إليه ذهنه، ولا يبصر بعينيه ما حوله ولا يحسه ولا يدري به" ... فلما استقر ذلك في نفوس طائفة من الناس ورأوا أنهم لا يقدرون عليه، قالوا: إذا لم تكن صلاتنا صلاة، ولم نكن نقدر على خير منها، فما لنا نُتعب أنفسنا بالركوع والسجود في غير ثواب؟ وتركوا الصلاة جملة، فكان لإبليس ما أراد!

مع أن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، وشريعة الله لا تنافي طبائع البشر التي طبع الله الناس عليها، وليس على المصلي إلا أن يخشع ما استطاع، وأقل درجات الخشوع أن يدرك معاني ما ينطق به وأن يتصورها، وكلما عرض له عارض من الأفكار الدنيوية التي لا يخلو منها ذهن مُصَلٍّ ذكر أنه بين يدي الله وأن الله أكبر منها، فطردها بقوله «الله أكبر»، يقولها كلما قام أو قعد أو ركع أو سجد. أمّا أن نكلف المصلي ألاّ يرى ما حوله ولا يسمع به ولا يحس، ونجعل ذلك شرطاً لصحة الصلاة، فهذا ما لم يقل به أحد، والرسول صلى الله عليه وسلم أطال السجود لمّا ركب ظهره أحد ولدَي فاطمة (نسيت مَن منهما رضي الله عنها وعنهما) لأنه أحس به. وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: «مَن رابه في صلاته شيء فليسبِّح الرجال وليُصَفِّح (أي يصفق) النساء»، وجوَّز قتل الحيّة والعقرب في الصلاة، وأباح للمصلي منع الماشي أمامه من أن يمر ... ومعنى ذلك أن المصلي يرى ما حوله ويحسه، ومن قال إنه لا يرى؟

<<  <   >  >>