وعمر كان يفكر في تجهيز الجيش وهو في الصلاة (على الرغم منه) لاشتغال فكره به، لا أنه كان يتعمد. والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر حقيقة، فمن لم تَنْهَه صلاته لم يتركها، بل يرجع إلى الله بالتوبة والاستغفار، ومن خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً خيرٌ ممّن ترك الطاعة وأقام على المعصية!
* * *
فلما رأى الشيطان أن هذه الحيلة لم تَجُزْ عليّ عاد يوسوس لي ويقول: لقد صليت صلاة كاملة، هذه هي الصلاة، وأنت رجل صالح متعبد عارف بالله لا يغلبك الشيطان أبداً، وأنت من أهل الجنة فاحمد الله على ذلك.
قلت: لعنك الله، هذه إحدى بلاياك! تريد أن آمَن مكر الله، فلا يأمن مكر الله إلا القوم الفاسقون، كما أنه لا ييأس من رَوح الله إلا القوم الكافرون، فالمؤمن أبداً بين حالتَي الخوف والرجاء، إن استقر على إحداهما وحدها هلك.
وقعدت أقرأ القرآن، لأن قرآن الفجر كان مشهوداً، فجرب الخبيث معي ألواناً من وساوسه كلها ليصرفني عن الفهم والتدبّر، منها أن أجعل همي كله لمخارج الحروف وأحكام التجويد، والترقيق والتفخيم والاستطالة والإشمام، وقال: انظر الضاد من «المغضوب»، فإنها ما جاءت على وجهها، وانظر الغين فصحح مخرجها، والمَدّ المتصل في «الضالّين» لم يبلغ مداه ... يريد أن أشتغل بذلك عن فهم القرآن والعمل به، مع أن ذلك مما لم يُسمَع عن صحابيّ أو تابعيّ أنه اشتغل به أو أَوْلاه هَمَّه، بل لقد كره