للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السلف التدقيق في ذلك (١).

ومنها أن أسرع وأتلو تلاوة الببغاء وأستكثر من القراءة لأقول إني ختمت في يومين أو ثلاثة. ومنها أن أتعلم القراءات المختلفة وأقرأ بها على العامة، وذلك مما لا أراه يجوز لأنه فتنة لهم وإفساد لعقيدتهم، ولأنه سبب عُجْب القارئ ورضاه عن نفسه، ولأن فيه صرفاً عن حقيقة التلاوة التي هي التدبر والفهم واستنباط الحكم، ثم إنه يجعل التلاوة صناعة من الصناعات يعيش بها أهلها، يقدَّم منهم مَن كان أطرى حَنْجَرة وأحلى صوتاً وأبصر بالأنغام، وهذا حرام (٢). والقرآن ليس للاستكثار من الختمات بلا فهم، ولا للاشتغال بأوجه القراءات والاقتصار على أحكام التجويد، ولا للتلحين به كتلحين الغناء واتخاذه أداة للطرب، بل هو قانون فيه أمر ونهي، فيجب أن يُفهَم ويُهتدى بهديه، ويُتبَع أمره ويُنتهَى بنهيه، ويوقَف عند حدوده.

وجعلت أقرأ وأحاول أن أفهم وأفسّر لنفسي، وفهمت أحكاماً جديدة مما قرأت من آيات وأخذت أدوِّنها، ثم نبهني الله فعلمت أن الشيطان -لما رآني نجوت من أحابيله الأولى- عاد بأُحبولة جديدة، يريد أن أفسر القرآن بعقلي وأقول فيه برأيي فأضل.


(١) مانظر «الإحياء» للغزالي، و «تلبيس إبليس» لابن الجوزي، و «إغاثة اللهفان» لابن القيم: ج١ ص١٦٠.
(٢) والصحيح أنه لا يجوز (عند الحنفية) أخذ الأجرة على تلاوة القرآن، والفقهاء إنما جوّزوا أخذ الأجرة على تعليمه، وأخطأ المتأخرون منهم في نقل الحكم فخلطوا بينهما، وللعلامة ابن عابدين رسالة في هذا الموضوع، انظرها في مجموعة رسائله المطبوعة.

<<  <   >  >>