«الشيء» الذي افتقدوه، وما فقدوا -في الحقيقة- إلا نفوسهم:{نَسُوا اللهَ فأنْسَاهُمْ أنْفُسَهُم}، وحرمهم لذائذ الروح، وهي وحدها التي لا حَدَّ لها، ولا تزال كلما طلبتها تجد مزيداً منها.
* * *
فلما أصبح الصبح قلت: لأجرِّبَنَّ أن أكون مع الله يومي كله. فعاد الشيطان يقول: هذا الغرور، وهذا ما لا يكون، إنه أصعب الصعب، بل هو المستحيل.
قلت: بل هو والله السهل القريب، وما هي إلا أن أتصور كأني أرى الله، فإن لم أكن أراه فإنه يراني. فإذا كان أبي أو أستاذي الذي أُجِلّه وأحبّه قد أمرني بشيء ونهاني عن شيء، ثم قعد يُطِلّ عليّ ويبصر ما أصنع، أتراني أخالفه فأدع ما أمر به وآتي ما نهى عنه؟ إنه ما يعصي اللهَ أحدٌ وهو يتصور أنه يراه، ومن هنا جاء في الحديث:«لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن». أيزني على عين أبيه أو أستاذه؟ وما عليّ إلا أن أبقى متيقظاً متنبهاً، فكلما عرض لي أمر ذكرت حكم الله فيه، فإن كان محرَّماً تركته، وإن كان مباحاً حكّمت فيه عقلي.
قال: وهل تمنع خواطرَ السوء أن تطوف برأسك؟ وهل تملك نفسك عند الشهوة أو الغضب؟
قلت: أما الخواطر فإن الله -بكرمه ومَنِّه- يثيب على الخَيِّر منها ولو لم يحقِّقْه صاحبُه بالفعل، ولا يؤاخذ على الشرير إلا إذا حققه. وأما الشهوة والغضب فعليّ أن أجتنب أسبابهما، وأن أبقيهما في عقالهما لا أطلقهما حتى تجمَحا عليّ فأعجز عن كبح