للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا الجماح منهما. والشهوة والغضب كالصخرة المستقرّة على شفير الوادي، يصعب وَقْفُها إذا هي انحدرت كالبلاء النازل، ولكنْ لا يصعب عليك أن تَدَعها مكانها ولا تحركها. ثم إني لا أدّعي العصمة، وإذا غُلبت على أمري فأتيت ذنباً استغفرت وتبت، والتوبة الصادقة تمحو الحَوْبَة. ولست أنوي من الآن أن آتي المعصية وأن أتوب بعدها، وما أكون بذلك تائباً، ومن يضمن لي إن حييت أن أُقبل حينئذ على التوبة وألاّ استمرئ المعصية فأوغل فيها وأتبعها بغيرها؟

* * *

وحاولت -ما استطعت- أن أكون على العهد، فتبدلَت حالي ذلك اليوم حتى لقد عجب أهلي مني؛ كنت أغضب لأشياء يأتونها وأعاتب عليها، فسكَتُّ ذلك اليومَ عنها، وأكلت ما قُدِّم إليّ، لم أقل لشيء جاء ادفعوه عني ولا لشيء غاب هاتوه لي، ورضيت بما رأيت، إلا شيئاً محرَّماً فما كنت لأرضى به لو رأيته. ولبثت على مراقبة لله وحذر من الشيطان، وبقيت لي بقية من حلاوة الإيمان التي ذقت في السَّحَر، فكشف لي ذلك طرفاً من الحقيقة التي كانت محجوبة بأغشية المادة عن نظري، فرأيت أن المعطي المانع هو الله، وأنه هو النافع الضارّ، وأنه هو الذي يُضحك ويُبكي، وأن الناس ليسوا إلا قِطَعاً في هذه الآلة الضخمة تتحرك ولا تحرك نفسها، وأن من أصابه خير من قطعة فيها فشكرها واعتقد أن الخير من هذه القطعة، أو مسّه منها ضُرٌّ فعاتبها أو سبَّها يعتقد أن الضرر منها نفسها، من المسمار أو الدولاب، لم يكن إلا مجنوناً! ولست أزعم أن هذا الشعور قد

<<  <   >  >>