لازمني حتى صار عادة لي، فإن ذلك من مراتب الصدّيقين، ولو زعمته لكنت من أكذب الناس، ولكنه شعور خامرني لحظات وذقته أولَ مرة في حياتي.
وكنت -كسائر الناس- أفزع من الوَحدة وأحس ثقلها عليّ، وأحاول أن أفر منها إلى رفيق أُناقله لغو الحديث أو كتاب أقرأ فيه فارغ الكلام، فصرت ذلك اليوم أحب الوحدة وأطمئن إليها. وما يكون في وحدةٍ مَن يراقب الله ويحسّ بأنه معه يسمع ويرى، ويتوجّه إليه بالدعاء بلسانه وبقلبه يسأله ما دَقَّ وما جَلَّ، معتقداً أن كل شيء بيده، وأنه إن لم يُعْطِه ما طلب أعطاه خيراً منه. والدعاء بهذا المعنى عبادة، بل هو مخّ العبادة كما جاء في الحديث الصحيح. وغدوت منفرداً عن الناس وأنا منغمس فيهم داخل بينهم.
وجعلت أرصد الشيطان، فإذا هو مرابط لي عند كل طريق يؤدي إلى الجنة، يأتيني -كما أخبر الله عزَّ وجلَّ- عن يميني وعن شمالي، ومن أمامي ومن خلفي، ولكنه لا يستطيع أن يجيء من فوقي ولا يستطيع أن يسد عليّ طريق الاستنجاد بربي. ورأيت الإيمان كالحصن الذي يحصِّنني منه، ولكنّ له في جدار هذا الحصن مداخلَ وثغرات احتفرها ليدخل منها، منها المداخل الكبار الظاهرة (وسأعدد بعضها في هذا المقال) ومنها المداخل الدقيقة الخفية. وعلى المؤمن أن يبقى ساهراً أبداً يحرس حصنه، أو أن يسد هذه المداخل سداً مُحكَماً ليأمن دخوله منها، وربما اغتنم الخبيث انشغال الإنسان بمراقبة مدخل منها فدخل عليه من غيره، كما صنع بي لما رأى أني لم أصدقه بأن صلاتي باطلة،