فعاد يدخل عليّ من باب العُجْب فيريني أنها الصلاة المقبولة الكاملة. وعلى مقدار سهر العبد في سد مداخل الشيطان وحراسة ما لا يمكن سده منها، يكون خلاصه من وسواسه في الدنيا ويناله نعيم الله في الآخرة.
والله لم يترك الإنسان في هذه الحراسة أعزل، بل وضع في يده سلاحاً ماضياً قاطعاً، «رشاشاً» يستطيع أن يردّ به أعْتى الشياطين، هو ذكر الله حتى يخنس الشيطان ويبلس وينكمش وينقطع وسواسه. وليس المراد الذكر باللسان فقط، بل التذكر بالقلب، وهو الأصل فيه، والمسافر الذي يذكر وطنه وأهله لا يقول بلسانه، ولكنه يستحضر الوطن والأهل بقلبه. وذكرُك اللهَ هو ألاّ تنساه، وأن يكون دائماً في قلبك، وأن تتصور أنه مطّلعٌ عليك وأنه معك، فإن صَحِبَ ذلك الذكرُ المأثور باللسان فهو أحسن وأكمل.
* * *
وكان لي مع الشيطان ذلك اليوم مواقف تستعصي على العدّ، أذكر منها هذا على سبيل المثال على وساوسه:
حاول أن يسخّطني على الله ويكفرني بنعمه عليّ، حينما مرّ بي في الطريق رجل كان معنا في المدرسة فخاب وقصّر، وكان مضرب المثل في السوء فطُرد من المدرسة، فما هي إلا أن جال ههنا وههنا حتى صار له الجاه العريض والمال الكثير، فجاء الشيطان يقول لي: أما ترى هذا؟ أتكون أنت في علمك وفضلك دونه مالاً وجاهاً، ما هو ذنبك حتى تقصر بك الأقدار عنه؟