فقلت: اخرس يا عدو الله! تريد أن أكفر بنعم الله عليّ؟ وهل في الدنيا أحدٌ نال الخيرَ كله حتى ما يزيد عليه فيه أحد؟ فلماذا أنظر إلى هذا ولا أنظر لأناس هم مثلي (إن لم يَفْضُلوني) علماً وخلقاً، وهم دوني في الجاه والمال؟ ولماذا تريدني أن أنظر لمن هم فوقي في الدنيا لأحسدهم، ولا أنظر لمن هم فوقي في الدين؟ لماذا أزاحم على زيادة درجة في دار الزوال ولا أزاحم على زيادة درجات في دار البقاء؟
لماذا أحسد هذا إن صار ماله أكثر من مالي، ولا أحسد ذاك على أنه صلّى أكثر من صلاتي، ونال أكثر من ثوابي، وكان له في بنك الحسنات رصيد أكبر من رصيدي؟ ولِمَ أحسده على ماله ولا يحسدني هو على علمي؟ أليس العلم والخلق والذكاء نِعَماً كنعمة المال والجاه؟ فماذا ينقصني؟ إنه لا ينقصني والحمد لله شيء أحتاج إليه: صحتي جيدة، وموردي يقوم بحاجاتي ويَفْضُل منه عنها، وأنا في سلام في بيتي، وفي راحة في عملي، وفي أمان في سِرْبي، وفي منزلة في بلدي، وأنا راضٍ عن ربي، وليس لي مطلب إلا أن يبعدك عني!
* * *
وحاول أن يثير ما أخمدته السنون من شهوتي حين واجهت في الترام فتاة إفرنجية كأنها فلقة بدر، وقد كشفت عن النحر والصدر والقدم والساق، ولقد ألممت بهذا كله منها بالنظرة الخاطفة. وذكرت حديث النظرتين وأن «لك الأولى وعليك الثانية»، فغضضت عنها وملت ببصري إلى الطريق وبفكري إلى مسائل أُخَر. فرجع الشيطان بفكري إليها، وجعل يعيد عليّ تصور