طريق الكشف، أو يأخذ الأحكامَ من الرؤى والأوهام، أو يكذب على الله ويبلِّغ عنه ما لم ينزِّلْ به سلطاناً.
وجاء قوم بضدِّ هذا، حين وقفوا على ما جاء في فضل العلم وأهله، فطلبوه وتعمقوا فيه وصاروا المرجع في أمور الدين والمقصد في الفتوى والمسائل، فأوهمهم الشيطان أنهم بلغوا بذلك الغايةَ، وصرفهم عن تفقد القلوب ورياضتها وتنقيتها من الأوضار وإنقاذها من الأمراض، مع أن من الأمراض القلبية ما يفتك بها أشدَّ من فتك السرطان والجُذام بالأجسام، وهي العُجْب والحسد والرياء وأمثالها. وتهذيب القلوب واستشعار الإخلاص هو لُبُّ الدين، فالصلاة بلا إخلاص قيام وقعود، والصيام بلا إخلاص جوع وعطش، والحج بلا إخلاص تعب ونصب، والعالِم بلا إخلاص إبليس آخر! وإبليس ما أُتِيَ من جهة الجهل، بل أُتِيَ من جهة المرض القلبي الفتاك الذي هو الكِبْر.
ولست أَحْقِر العلم أو أزيِّن الجهل، فالجهل هو المفتاح الذي يفتح به الشيطان كل باب إلى الفساد، والصالحون الذين ضلّوا بجهلهم بأحكام الدين كثيرون، ولَعالمٌ «عامل» أشدُّ على الشيطان من سبعين عابداً «جاهلاً»، ولولا الجهل ما استطاع الشيطان أن يدفع أناساً -ممّن كان قبل هذه الأيام- إلى الغلوّ في التوحيد (بزعمهم) حتى قوَّلهم بمثل مقالة «وحدة الوجود»، ودفع آخرين إلى الأخذ بظواهر النصوص حتى شبَّهوا، أو إلى صرفها إلى المجاز حتى عطّلوا. ولولا الجهل ما هدم قومٌ القرآنَ وخالفوا نصوصَه بحجة أن له ظاهراً وباطناً، ولولا الجهل ما تمسك قوم بالبدع وتركوا لها السنّةَ الثابتة.