فيه الرجوع إلى ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه.
ومنها: ابتغاء الراحة والهرب من كل ما فيه مشقة أو تعب، وفَقْد الصبر بمعانيه الثلاثة، الصبر على المصيبة، والصبر على أداء الطاعة، والصبر على مفارقة المعصية.
* * *
ومنها: الابتعاد عن قصد السبيل، وترك أوساط الأمور والميل إلى جانبيها، والغُلُوّ في كل شيء، وفي الغلوّ الهلاك؛ كالماشي على القَنْطَرة الضيقة: إنْ سار في وسطها سَلِمَ، وإن غلا في التيامُن أو التياسُر بلغ حافتها فزلَّت به قدمه فسقط. وقد عقد ابن القيِّم فصلاً في هذا المدخل من مداخل الشيطان وضرب عليه أمثالاً، بَيَّنَ فيها كيف يغلو قومٌ في التساهل في الطهارة حتى يحملوا الأنجاس، ويغلو آخرون في التطهير حتى يُوَسْوِسوا، وكيف يبخل رجل بالزكاة المفروضة ويبذل آخَرُ مالَه كله حتى يكون كَلاًّ على الناس، ويترك امرؤٌ سنّةَ النكاح ويُقارب آخَرُ النساءَ من حِلٍّ ومن حرمة، ومن يَزْري على العلماء وأهل الدين، ومن يعظّمهم تعظيم العبادة المختصة بالله عز وجل (١).
وزَهِدَ قوم بعلم الكتاب والسنة وزعموا بأن ذلك علم العامة، وأن الخاصّة يُنَقّون قلوبهم ويشتغلون برياضتها فتنطبع فيها العلوم بلا تعلم، واستدلّوا جهلاً بآية:{واتَّقُوا اللهَ ويعلّمُكُمُ الله}. ومنهم من زاد في هذا الغلوّ حتى صار يصحّح الأحاديثَ أو يضعِّفها عن
(١) إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان لابن القيم، ص١٦.