وإن أنت استعصيت عليه داورك وراوغك ودخل عليك من المدخل الآخر، وهو طول الأمل (وطالما دخل منه على القلوب وطالما أفسد به الناس) وقال لك: إن العمر أمامك، فاستمتع بيومك واعزم على أن تتوب في غدك. فإن جاء الغد قال: أجِّلْها إلى غد. ثم لا يأتي هذا الغد أبداً، لأنه كلما جاء صار حاضراً وجَدَّ من بعده غدٌ جديد.
فإن كنت شاباً قال: وما عليك؟ إنك ستتوب إذا صرت كهلاً. فإن صرت كهلاً قال: ستتوب متى شخت. وإن كنت عَزَباً قال: تتوب متى تزوجت، وإن كنت متزوجاً قال: تتوب متى حججت ... ولا زال بك يؤخر عليك التوبة يوماً بعد يوم وشهراً بعد شهر، حتى يفاجئك عزرائيل فيمضي بك عاصياً أو فاسقاً، والعياذ بالله.
* * *
ومنها: الإقامة على المألوف واتّباع ما وجدنا عليه الآباء والأجداد، وإنْ دعانا داعٍ إلى ما هو خير منه وأهدى سبيلاً وأرضى لله. ومن هنا جاء الشرك أولاً، والتمسّك بالبِدَع والمُحدَثات آخراً، وكلما قام مصلحٌ بإماتة بدعة ثار عليه أدعياءُ العلم وقالوا له: أأنت خير من العلماء الذين رأوها من كذا وكذا وسكتوا عنها وأقرّوها؟ هل كانوا جميعاً جاهلين وأنت وحدك العالم؟ أم كانوا ضالّين وأنت وحدك المهتدي؟ وأيّدَتهم العامة التي تأنس بكل ما هو مألوف ولو كان مخالفاً للسنّة، وتنفر من كل جديد ولو كان