حتى الفن الذي هو مظهر الجمال وتعبير الشعور، إن كان من هناك فهو الفن العالمي الخالد ولو كان خربشات وتخليطات، ولو كان فيه لوحات من هذا الفن الجديد، إذا أنت لم تقرأ تحت اللوحة أنها صورة فتاة حسبتها كومة من علب الكبريت! حتى الفجور الذي يأباه كل عقل وينفر منه كل طبع، إن كان من هناك فهو التطبيق العملي للفلسفة الوجودية! حتى السم الناقع الذي اسمه الخمر، إن كان من هناك فهو ماء الحياة!
* * *
ومنها أنه عطّل الأمرَ بالمعروف والنهيَ عن المنكر، حين قال للعلماء: إن في عزكم عزّ الدين وفي هوانكم هوان الإسلام وشماتة المخالفين، فهل يليق بكم أن ينكر أحدكم منكراً أو يصدع بحق عند أمير ظالم، فيسحبه الشُّرَط على رؤوس الأشهاد، فتتدحرج عمامته وتتخرّق جُبّته ويتعرض للمكروه؟ وصدّقه قومٌ من العلماء، ونسوا أن الرسول -صلوات الله عليه- ضُرب وأوذي وكسرت أسنانه ورُمي بالحجارة وألقي عليه كرش البعير، وأن الصحابة حملوا من الأذى ما لا تحمله الجبال، فما كانت هذه المهانة إلا عزاً لهم ومجداً ورفعةَ منزلةٍ عند الله وعند الناس. وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو قدوتنا وإمامنا، وأنه لما قعد علماؤنا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجاملوا الملوك وسعوا إلى أبواب الأمراء، وبَشُّوا في وجوه الفُسّاق ولايَنوا المجاهرين بالمعاصي، سلبهم الله الهيبة التي كانت لهم في صدور الحكام وفي قلوب الرعية، وأحوجهم إلى السلاطين وسلّطهم عليهم.