يلومون قيساً لأنهم لا يرون لَيْلاه إلا كسائر النساء، ففي كل امرأة عِوَض عنها وبديل منها، ولو استعاروا عينَي قيس فنظروا بهما لرأوا ليلى هي الدنيا، وهي الأخرى، وهي الروح، لولاها ما كانت الحياة ولا أضاءت الشمس ولا أنار القمر، ولا بسم الروض ولا ضحك الينبوع، ولا همس النسيم ولا غنى الطائر، ولا كان في الدنيا جميل.
قصة الحب هي القصة الأزلية التي تكرَّر دائماً وتعاد أبداً، لا تُمَلّ ولا تُسأم. نقرؤها كل يوم فلا نراها تبدّلَ فيها إلا الاسم، فهي آناً قصة ليلى أو لبنى أو عفراء، وهي آناً قصة ماجدولين أو فرجيني أو شارلوت، ولا تغيّر إلا المنازل؛ فمن بِطاح نجد إلى ضفة البحيرة، إلى ساحل الدنيا الجديدة، إلى ظلال الزيزفون، أما القصة فهي هي ما تبدلت ولا تغيرت، ولا يمكن أن تتبدل حتى تُبدَّل الأرضُ غيرَ الأرض.
على أن للحب مواسم، وله منازل ينبت فيها كما ينبت النخيل في البصرة والكرم في الشام. فمن منازله لبنان، لبنان (شرقيّه والغربي) الذي برأه الله على مثال الجنة: روح وريحان، وحور وولدان، فمَن حلّ فيه مؤمناً ذاق نعيم الخلود في دار الفناء وأحس بسعادة الأخرى في الدنيا، ومن حلّه غيرَ مؤمن أذهب طيباته في حياته الدنيا وما له في الآخرة من خَلاق.
لبنان الذي كان دارَ الأولياء والشعراء والسياح والزهّاد، من كل عابد متبتل ومحبّ هائم وتائب أوّاب. لبنان الذي جعل الله ماءه خمراً وجماله سحراً، فلا تدري أهو السحر قد خَيّل لك أنك في جنة الخلد أم هو السكر قد جعلك تحس التخلص من هذا