والأستاذ سعيد مراد شيخ المعلمين، ما مات حتى رأى تلاميذَ تلاميذِ تلاميذِ تلاميذه، حقيقةً لا مبالغة، وخليفتُه اليوم عبد الرحمن السفرجلاني، ابن معلم الشام شيخنا الشيخ عيد السفرجلاني، الذي حوت سجلات مدرسته الابنَ وأباه وجدَّه، كلهم مَرَّ عليه وكان من تلاميذه. ومن تلاميذ أستاذنا عبد الرحمن شيوخ يُشار إليهم اليوم بالبنان، منهم الرئيس شكري القُوَّتلي رحمه الله، وفقيد القضاء وعميده مصطفى بَرْمَدا، وشيخ الإداريين في ديار الشام جميل الدهّان ... وقد ذكرته استطراداً، وحديثه وحديث أبيه أطول من أن يُكتفى فيه بالإشارة العارضة.
أعود إلى الكلام على الأستاذ سعيد مراد. لقد كان في الواقفين عند باب الأموي حَذّاء (كندرجي) من فضلاء الناس (وكان في التجار وأرباب الصناعات كثير من أهل العلم والفضل في تلك الأيام)، وكان أبي يبعث بي إليه كلما احتجت إلى حذاء. وكان أبي يجلس عنده فيمن يجلس عنده من العلماء، فذهبت إليه يوماً فوجدت في دكانه الأستاذ مراد، فصرت -من بعدها- أتهيّبه كلما لقيته وأُجِلّه عن أن أمدّ إليه رجلي ليأخذ مقاسها (١)، لمجرّد
(١) أخشى أن يصعب فهم هذه الجملة على تسعة قارئين من كل عشرة، فما معنى أن يأخذ الحذّاءُ مقاسَ الرِّجْل؟ هذه صنعة أدركت أنا آخرها ولم يعد لها في دنيانا الحاضرة وجود؛ فما كان الناس يعرفون الأحذية الجاهزة ولا هذه المتاجر المملوءة بها من كل حجم وشكل ولون، بل كان المرء يذهب إلى «حذّاء» (أي صانع أحذية) فيقيس قدمه ويصنع له حذاءً يناسبه. ولسوف يسمع أولادنا أو أولاد أولادنا هذا الخبر فيضحكون منه ويعدّونه في الأعاجيب (مجاهد).