للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أني علمت أنه صديق المدير الأول.

ومرّت أيام طوال، وكنت يوماً على قوس المحكمة وأمامي من المحامين والمتقاضين عشرات وعشرات، فلمحت من نافذة القاعة (وكانت المحكمة في دار البارودي في القنوات) الأستاذ سعيد مراد واقفاً في صحن الدار مع من ينتظر من الناس، وقد أحنت الأيام ظهره وأرعشت يدَه، فتركت القوس ونزلت، والحاضرون يعجبون، حتى وصلت إليه فقبّلت يديه وسألته عما يأمر به، وأخذته من يده فقلت لمن كان في المحكمة: هذا أستاذي وأستاذ الشام، وأنا أستأذنكم في أن أؤخر دعاواكم لأقضي حاجته.

وكانوا في عجلة من أمرهم، فلما رأوا ذلك قالوا جميعاً: نعم، ونحن راضون. فأقعدته على كرسي وانطلقت أحمل أوراقه بنفسي، فرأيت دموعه تتساقط من خلال لحيته البيضاء (١). وكنت يوم وفاة أستاذنا سعيد البحرة قاضي دمشق، وكنت في صدر مجلس التعزية، فجاء الأستاذ شريف آقبيق فلم يجد مكاناً، فنزلت حتى أخذت بيده وأقعدته مكاني، وقلت لهم: هذا أستاذي.

أما الأستاذ الذي طالت له صحبتي واتصلت به مودتي فهو حسني كنعان، وإن من الإنصاف أن أقر هنا -وهو حي يرزق (٢) -


(١) هذه القصة وغيرها من أخبار الأستاذ سعيد مراد في الذكريات، وانظر أيضاً الحديث عنه في مقالة «مع بعض مشايخي» في كتاب «رجال من التاريخ»، وفي آخرها ذكر للأستاذ شريف آقبيق كذلك (مجاهد).
(٢) توفي -رحمه الله- سنة ١٩٨٠ (مجاهد).

<<  <   >  >>