أنه أول من علمني ما هو الإنشاء العربي، وكانوا يعلموننا الإنشاء بالتركية، ولو امتدّ بالاتحاديين العهدُ لما كنت أستطيع أن أخطّ سطراً. وكانت لحسني كنعان معرفة بالموسيقى وكان إليه الفضل في الأناشيد المدرسية، فقد كان يؤلفها ويلحنها وينشدها بصوته العذب. وأنا أشهد أن أصفى حنجرة عرفتها هي حنجرة حسني كنعان في شبابه، ولقد أنشد مرة النشيد المشهور «ويلي على أوطاني من غارة العدوان» أمام الملك فيصل بن الحسين، فأبكى الملك وكل من حضر، وجُعل على أثرها مدرّساً في السلطانية الأولى (مكتب عنبر)، وله مع ذلك مئات من المقالات، ما زال يوالي نشرها من أكثر من ثلاثين سنة إلى الآن.
وهو نابلسي، ونابلس بلد الأنجاد الأحرار، وفيها جبل النار. والنابلسيون قومه وهم أصله، ولكن يظهر أنهم قد استنفدوا الشجاعة كلها فلم يورّثوه شيئاً منها، فكان جريء القلم ولكنه منخلع القلب. ومن أخباره في هذه المدرسة أنه كان يأخذ الأشعار القديمة فيبدل من كلماتها ويلقيها علينا، فكان منها قصيدة الحِلّي:
سَلي الرِّماحَ العَوالي عن مَعالينا ... واستشهدي البيضَ: هل خاب الرجا فينا
وسائلي العُرْبَ والألبانَ ما فعلَتْ ... بعسكر التُّرْك والألمان أيدينا
وزار المدرسةَ يوماً الحاكمُ العسكري رضا باشا الركابي، وكان مَهيباً مخيفاً ورث سطوة جمال باشا وإن لم يكن له ظلمه،