فإذا عوتب القائل قال: وهل شتمته؟ هل قلت له شيئاً؟ إنما قلت صباح الخير.
وقد يكون للكلمة أحياناً عكس معناها الذي يدل عليه لفظها، يُفهَم ذلك من قرائن القول وظروف الكلام. فإذا خرجت من العمل أنت وزميلك، فاصطحبتما في الطريق حتى بلغت دارك، تقول له: تفضل معنا. فيقول لك: في أمان الله. لأن "تفضَّلْ معنا" هنا معناها "فارِقْنا واذهب عنا"، بدليل أنه لو أخذها على حقيقتها وتفضل معك لضقت به وعجبت منه.
وقد يطيل الزائر السهرة ثم يتهيأ للقيام فتقول له:"بَكِّير (بَدْري)، كمان شوي"، ومعنى ذلك:"لقد أطلت فاذهب". وإذا مللت من حديث محدثك تقول:"لا يُمَلّ"، وهو في الحقيقة قد مُلّ! وتقول:"غير مقطوع حديثك"، وقد قطعته وفصلت رأسه عن جسده أو بترت ذَنَبه عن جسمه! (١)
وقد يفقد الكلام كل معنى ويصير جُمَلاً فارغة، كقولك لمن تلقاه:"كيف حالك؟ " وأنت لا يهمّك حقيقةً أن تعرف حاله ولا ماله. ويقول لك:"مشتاقون"، وما هو بالمشتاق إليك ولا المفكر فيك. وتقول:"طمِّني عن الصحة"، كأن صحته تشغل فكرك وتطرد النوم عن عينيك، ولا تطمئن حتى تثق بكمالها وتمامها!
كنت مرة خارجاً من المستشفى بعد عملية جراحية لا أزال
(١) وكل ذلك من التعبيرات الشامية الدارجة، وهي من باب «النفاق الاجتماعي» الذي لا غنى عنه لبقاء المودة بين الناس! (مجاهد).