للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وليست العبرة بألفاظ الكلام فقط، بل باللهجة التي يُلقى بها هذا الكلام. والتحية إن ألقيت بلهجة جافة كانت شتيمة، والشتيمة إن ألقيت بلهجة حب كانت تحية، والولد الصغير يعرف هذا بالفطرة؛ إن قلت وأنت ضاحك: "أَخْ يا خبيث" سُرَّ وابتسم، وإن قلت وأنت عابس مهدد: "تعال يا آدمي يا منظوم" (١)، خاف وهرب. وإن قلت لصديقك في الدار: "تفضل اقعد"، كانت مَكرُمة، وإن قالها رئيس المحكمة للمحامي في وسط دفاعه كانت إهانة، مع أن الكلمة واحدة، وإن كُتبت لم يكن بين حالَيها اختلاف، وما نقلها من حال إلى حال إلا اللهجة.

وخذ مثلاً أقرب، كلمة «صباح الخير». إن صباح الخير قد يكون معناها أني "لا أبالي بك ولا أحس غيابك ولا حضورك"، وذلك إن قلتها ووجهُك خال من كل تعبير وصوتُك خال من الحرارة، كأنك تردد جملة محفوظة. وقد يكون معناها أني "أعطف عليك ولكني أراك دوني وأحس أني أرفع منك"، إن قلتها وأنت باسم بسمة دبلوماسية، وقد أحنيت رأسك ربع معشار (سانتيمتر) انحناءة مصطَنَعة. وقد يكون معناها أني "صديقك المخلص لك"، إن قلتها بابتسامة صادقة وبلهجة طبيعية. وقد يكون معناها أني "أحتقرك وأزدريك" إن قلتها وأنت مصّعرٌ خدَّك زاوٍ نظرَك شامخ بأنفك. وقد يكون معنى صباح الخير سَبّ الأب!


(١) كل وَلَد من نسل آدم «آدمي» بالضرورة، ولكنّ للكلمة معنى خاصاً في عامية أهل الشام، فإذا وصفوا بها شخصاً أرادوا أنه صالح مستقيم. والمعنى الذي تؤديه لفظة «المنظوم» قريب من هذا المعنى أيضاً (مجاهد).

<<  <   >  >>