أفكان هؤلاء، وفيهم كل عبقري عَلَم وكل نابغة إمام، أكانوا كلهم مجانين؟
أما في رأي العامة فَنَعَمْ! ذلك لأن القافلة تمشي، فمن سايرها عَدَّه أهلُها عاقلاً، ومن تقدم عنها يسلك طريقاً جديداً قد يكون أقرب وآمن عَدُّوه مجنوناً كمن تأخر عنها ليتيه في مجاهل الصحراء! لكن ذاك جنون العبقرية، وهذا جنون المارستان. إن العبقري شَغَل بالعلم فكرَه كله فلم يبق منه شيء لفهم الحياة، فصار عند أهلها مجنوناً.
وبين جنون العبقرية وجنون المارستان نوع ثالث، ألا وهو جنون الغرام:
وكل الناس مجنونٌ ولكنْ ... على قَدْرِ الهوى اختلف الجنونُ
والهوى، يا ويح الهوى ما أكثر شعابه وما أضلّ أوديته! الهوى ... ومَنْذا الذي لم يَتِهْ في وادٍ من أوديته ولم يسلك شِعباً من شعابه؟ إن من لم يَهْوَ الغيد الحسان هَوِيَ الرياض والجنان أو الأصفر الرنّان، ومن لم تفتنه العيون التي في طرفها حَوَر فتنته الشهرة واستهواه الجاه ... كل الناس مجنون، ولكن أخطر المجانين مجانين الغرام!
وهل في الدنيا أشد جنوناً ممّن ينكر الحياة ويُعرض عنها لا يريد أن يبصر وجهها، ويراها سوداء في عينيه لا تنيرها الشمس ولا يضوّئها القمر، كل ذلك لأن امرأة لم تمنحه قبلة؟ يا حفيظ! اللهم إنا نسألك السلامة!
أما عرفتم مجنون ليلى؟ هذا الذي زهد في المجد والجاه