قالت: إن هذا العلم خسران لك يا حمقاء! إنك كنت ترين في الكسوف حادثاً غريباً مليئاً بالأسرار يبعث فيك عالماً من العواطف، فلما علمت أنه حادث طبيعي: كوكب يقوم بحذاء كوكب، ضاع معناه وانتفت أسراره، ولم يعد يثير فيك عاطفة أو يَهيج فيك حِساً.
قالت الثانية: وما قيمة العاطفة؟ أتريدين أن ندع العلم من أجل العاطفة؟
قالت الثالثة: لا، بل تعلّمي، ولكنْ تعلّمي ما تحتاجين إليه. العلم دواء يؤخَذ بمقدار الحاجة، ولكن الشعور غذاء لا يُستغنى عنه؛ فنحن نحيا لنرى الجمال ونستمتع به ونتذوقه في الطبيعة وفي الإنسان وفي الفن، من أجل هذا نحيا.
فوثبت النفس الرابعة، «النفس المؤمنة المطمئنّة»، فقالت: يا للسخف!
قالت الثالثة وقد غاظها ما قالت: أيَّ سخف ترين من فضلك؟ إذا كنا لا نرى الجمال فلِمَ نحيا؟
قالت الرابعة متهكمة: كأنك تحيَين الآن! إنك -يا سيدتي- سجينة، فاسعَي لتتخلصي من قيود السجن، ثم انطلقي في فضاء الحرية فيعشي في الحياة الأخرى: حياة الانطلاق.
ورأيت أن المناقشة قد طالت وغدت مملّة وتشعبت فيها الآراء، فأسكتُّهنّ ورجعت أفكر وحدي.