قلت: إنني لا أدري لماذا أحيا، ولا أعرف ما هي صلتي بالكون! كنت أنظر إلى الدنيا من خلال الكتب وأشرف عليها من نافذة المدرسة، فأراها صغيرة كقبضة الكف، فحسبت أنّي إذا خرجت من المدرسة وحزت الشهادة قبضت عليها بيدي. وعشت بهذا الأمل، لم أعرف حقيقة الحياة ولم أُعِدَّ لها العدة، ولم أجد من يخبرني خبرها إلا هؤلاء الأساتذة، وهم قوم مخادعون، لا يبصِّرون التلميذَ بالدنيا كما هي في ذاتها، بل كما يريدون هم أن تكون.
وخرجت من المدرسة، وهبطت من سماء الخيال إلى أرض الحقيقة، فإذا الطريق مزروع بالشوك، فانطلقت أمشي وأجاهد بهمّة الشاب القوي الطموح، فما قطعت من الطريق إلا قليلاً حتى وجدت هذه الطفيليّات البشرية تتعلق بكتفي وتستمسك بي، حتى إذا دنوت من أول منزل وهممت أن أستريح فيه وثبَت فسبقتني إليه، فسرت أجاهد وأتقدم أؤمّ منزلاً آخر، حتى هدّني التعب ونال مني النصَب ولم أصل إلى شيء.
ولاح لي فجأة قصر عظيم على الطريق، تلمع قِبابه المغشّاة بالذهب وتشرق جدرانه المغطاة بالفضة وتضيء نقوشه وزخارفه في شعاع الشمس، ويُقرأ على بابه بأحرف من نور:«هذا قصر اليأس». فراعني مظهره، وهممت أن أحيد عن الطريق فأدخله، ولكني نظرت إليه أولاً، فإذا هو موحش مظلم في وسطه قبر مفتوح مملوء بالأساود (١) والأفاعي، وإذا هو خالٍ من البشر،
(١) الأساود جمع أسْوَد، وهو أسوأ أنواع الحيات وأفتكها (مجاهد).