وأصبحت أخشى فيها على نفسي، فما أدري ماذا سيكون من أمري بعد الذي كان. قدمت الشام قَدْمَة أخرى، فكان أول ما صنعت أن قصدت صاحبي، وكنت قد عرفت داره في «الميدان»، فأكرمني وأحسن استقبالي أحسن الله إليه، وذبح لي خروفاً، ولم يكتفِ بذلك من إكرامي بل أزمع أن يأخذني إلى سنمة. قلت: ولكني لا أعرف سنمة هذا ولا أدري من هو، فيكف تأخذني إليه؟ قال: لا بد من ذلك.
فاستحييت منه وكرهت أن أخالفه بعد الذي صنع في إكرامي، وقلت في نفسي: لولا أن سنمة هذا صديق له عزيز عليه ما سار بي إليه، ولقد قال المشايخ من قبيلتنا:«صديق صديقك صديقك». فرضيت وقلت له: على اسم الله.
ولكن الرجل لم يَسِرْ، بل أدركه لؤم الحضر فصاح بابنه أن هات الجرائد حتى نرى الرواية، فتوجّست خيفة الشر، وقلت: إن الرجل قد جُنَّ، وإلا فما بال الجرائد؟ وهل تراه يضربني بها؟ إذن والله لأريته عزّ الرجال ولضربته ضرباً يبلغ مستقر اللؤم في نفسه. وخشيت أن أتريّث أو أتلوّم فأخيب وأفشل، وذكرت حكمة حَمَد بن عْلَوي:«الغلبة لمن بدأ»، فشدّ ذلك من عزمي وصرخت:"يا هُو ... " ووثبت وثبة أطبقت بها على عنقه، وقلت: سترى لمن الجرائد والسياط، ألابن المدينة الخَوّار الفَرّار أم لابن البَرّ الحُرّ؟
فارتاع -وأبيك- وجعل يصيح من جنبه: أدركوني، أنقذوني! النجدة، العون! يا فلان (لابنه) أقبل. ويلك يا صلبي، يا مجنون، كُفَّ عني. ويلك، ماذا اعتراك؟