فأخذتني به رأفة، فكففت عنه وقعدت محاذراً أرقب أهل المنزل وقد اجتمعوا ينظرون إليّ بعيون مَن يهمّ بِفَرْي جلدي، فقال لي: ما أردت بهذا ويلك؟ وبمَ أسأت إليك حتى أستحقق منك هذا الصنيع؟
قلت: بالجرائد؟ أمثلي يُضرَب بالجرائد لا أمَّ لك؟
فضحك والله وجعل يكركر حتى لقد شبهت بطنه بقربة جوفاء أدخلتها الماء، وضحك كل من كان حاضراً من أهله وبنيه ضحكاً ما شككت معه أن القوم قد أصابهم طائف من الجن، فقلت: قبّحكم الله من قوم، وقبّحني إذ أنزل بمثلكم! وهممت بالانصراف، فصاح بي وعزم عليّ إلا ما رجعت، فبَرَرت بيمينه وقفلت راجعاً، فقال لي: وأنت حسبت الجرائد مما يُضرَب به؟ ألم تبصر جريدة قط؟
قلت: ويحك، فكيف إذن؟ أنا من بلاد النخيل، تبوك حاضرتي.
قال: وتحسبها جرائد نخيل؟
قلت: إذن فجرائد ماذا؟
قال: خذ، هذه هي الجرائد.
وألقى إليّ صحفاً سوداً بها من دقيق الكلم مثل دبيب النمل، فعجبت منها وسألته أن يقرأ عليّ ما فيها فأستفيد علماً ينفعني في آخرتي، فإن الرجل لا يزال عالماً ما طلب العلم فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل، ولقد سمعت أنه جاء في الأثر: «كن