الحمدُ لله رب العالمين حمدَ الشاكرين، والصلاةُ والسلامُ على سيدنا محمد وعلى آلِهِ وصحبِهِ وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد فهذا كتابُ رفيعٌ فريدٌ في بابه، أجاد فيه مؤلِّفه الِإمامُ القَرافي أيَّما إجادة، وشرَحَ به حقائقَ من العلم كانت عَصِيَّة شاردةً تستعصي على فحولِ العلماء قبلَه، فطوَّعها وجعَلَها سهلةَ مأنوسةَ منضبطة، وألَّفها أحسنَ تأليف، ويسَّرَ منالَها لطُلابها بأسلوبِ سَهْل جَزْل، وجاء بالجديدِ الكثير من العلم الذي لم يكن مطروقاً من قبل، في الفقهِ والأصولِ وتاريخ التَّشريع، وملأ فراغاً لم يَقُم بمَلئِهِ سواه، ولا ينهضُ للقيام به إلَّا الأئمة الأفذاذ الموهوبون أمثالُ الِإمام القرافي - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -.
وتحدَّث في فاتحته عن سببِ تأليفِهِ فقال: "قد وقع بيني وبين الفضلاء مع تطاولِ الأيَّام مَباحِثُ في أمر الفَرْق بين الفُتْيَا التي تبقى معها فُتْيَا المُخالِف، وبين الحكم الذي لا يَنقُضُه المخالِف، وبين تصرُّفاتِ الحُكَّام وتصرُّفاتِ الأئمة ... ، والْفَرْقِ بين الفتيا والحكم ... ، وما حقيقةُ الحكمِ الذي يُنقَض والحكمِ الذي لا يُنقَض، وهل هو نفساني أم لِساني؟ وهل هو إخبار أم إنشاء؟ ... ونظائرُ هذه المسائل كثير، يقَعُ السؤال عنها، فلا يُوجَدُ من يُجيبُ عن ذلك محرَّراً.
فأردتُ أن أضعَ هذا الكتابَ مشتمِلاً على تحرير هذه المطالب، وأوردُها أسئلةَ كما وقعَتْ بيني وبينهم. ويكونُ جوابُ كل سؤال عَقِيبَه، وأُنبِّهُ على غوامض تلك المواضع وفروعِها في الأحكام والفتاوى وتصرفات الأئمة. وسمَّيتُ هذا