ذكرتُ في أواخر ترجمة الإمام القرافي ص ٢٥ - ٢٦ مهارتَهُ في صُنع الساعة العجيبة، وأشرتُ تعليقاً هناك إلى أن هذه المهارةَ وأمثالَها وأشباهها حينما توجد في أفرادِ من العلماء، تزيدُ في رفعة شأنهم وعظيم مآثرهم، وأشرتُ إلى أن مِثلَ هذه المهارةِ وأعجَبَ منها كان يتمتع بها ويتميزُ بها الأستاذُ الفاضل الكريم الصَّنَاع العجيب الشيخ عبد الرحمن زين العابدين الأنطاكي ثم الحلبي، صديقي وصاحبي وأكبرُ أنجال شيخي العلامة الكبير الشيخ محمد زين العابدين - رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى -، المولود بأنطاكية سنة ١٣٣٠، والمتوفى بحلب سنة ١٤١٠.
وقد كان للشيخ عبد الرحمن مع شيخنا العلامة الجليل والفقيه الأَفيْق النبيل سيدي الشيخ مصطفى الزرقا حفظه الله تعالى ورعاه صداقةٌ متينة، وصحبةٌ عميقةٌ مكينة، تتحلَّى بوَخدَة الحال ورفع التكلف، وقد شاهد شيخنا أمتع الله به، من مزايا الشيخ عبد الرحمن ومهاراتِهِ الفائقة مآثرَ كثيرة، شَهِدَها وحَضَرها من أولها إلى آخرها، فرجوتُ من شيخنا أحسن الله إليه أن يُسجَّلَ في بقلمه البليغ الدقيق ما شاهده من تلك العجائبِ الغرائبِ، والحقائقِ الدقائق، لأدرِجَهُ عند ترجمتي للإِمامِ القرافيَّ: الِإمامِ الفقيهِ الأصوليِّ الصَّنَاعِ المُبْدعِ العجيب، وللوفاء بحق الأُخوَّة والصداقة للشيخ عبد الرحمن بَعْدَ رحيله لدار الكرامة، فوَعَدني شيخنا بالِإجابة هاشَّاً باشَّاً للكتابة في تلك المهارة، نظراً لما كان بينه وبين الشيخ عبد الرحمن من المودة الأكيدة والصداقة العتيدة، ولكنَّ شيخنا سلمه المولى كانت أعمالُه العلمية أوسعَ من أوقاته الزمانية، فلم يتمكن من كتابة ما رجوته منه إلَّا بعد مطالبات كثيرة مني، ومتابعاتٍ جاوزت السنتين، حتى يشر الله وأعان، فكتب هذه الترجمة المتعلقة بجانبِ من نبوغ الشيخ عبد الرحمن، وأتحفني بها في يوم ١٠/ ٥/ ١٤١٣ بالرياض، فأنا أوردُها كما دَبَّجها قلمُه الرفيع وبيانُه البديع. وأضفتُ إليها نبذةً واحدةً من جمهرة ما كان للشيخ عبد الرحمن من عجائب المهارات.