ما معنى قولِنا في الفتاوى: مَسْحُ جميعِ الرأس واجب، والغِناءُ حرام، وسَبُعُ الطيرِ مُباح، إِلى غير ذلك من الفتاوى المختلَفِ فيها؟ هل معنى ذلك أنَّ مسحَ جميع الرأس واجبٌ على جميع الخلائق أو على المالكيّ خاصَّة؟
وإِن قلتم: على المالكيّ خاصَّة، فالدليلُ الدالُّ على ذلك ما دلَّ إِلَّا على عمومِ وجوبِه على عموم الخلق، فكيف خصَّصتموه؟
وإن قلتم: على عامَّة الخلق، فيكون الشافعي قائمًا بتركِ الواجبِ عليهِ ويُصِرُّ على ذلك، والإِصرارُ على تركِ الواجب فُسوقٌ وعِصيان. فيَلزمُ أن يكون الشافعيُّ عاصيًا وفاسقًا عند مالكٍ والمالكية، وأن يكون مالكٌ وشِيعتُه عُصاةٌ عند الشافعي بتركِ البسملة في الصلاةِ، ونحوِها.
وكذلك جميعُ المذاهب، فلا يَبقى أحدٌ من الفِرَق إِلَّا عاصيًا لله تعالى بتركِ ما عليه مخالِفُه، وهذا بعيدٌ جدًا. والتخصيص في الأدلَّةِ الدالَّةِ أيضًا على العموم وجعلُها خاصةً: تحكُمٌ محض.
وهذه خُطَّتا خَسْفٍ لا خُروجَ عنهما (١)، فكيف التخلُّصُ منهما؟ وما يَعتمدُ أحدُكم في فُتياه إِذا أَفتى بالوجوبِ مثلًا يَنوي بذلك العمومَ
(١) أي أمرانِ صعبان أو حالتان صعبتان، يَعسُرُ الخروجُ منهما. والخَسْفُ: الذُّلُّ، والظُّلم، والنَّقِيصة. وقوله: (هذه خُطَّتا خَسْفٍ) مَثَلٌ عربي، معناه ما ذكرتُه.