ينبغي للمفتي إِذا وقعَتْ له مسألةٌ غيرُ منصوصة، وأراد تخريجَها على قواعد مذهبه: أن يُمعِنَ النظرَ في القواعد الإِجماعيةِ والمذهبية، هل فيها ما يُوجبُ انقداحَ فرقٍ بين الصورةِ المخرَّجة والأصلِ المخرَّجِ عليه أم لا؟
فمتى توهَّمَ الفَرْقَ، وأنَّ ثَمَّ معنى في الأصل مفقودٌ في الصورة المخرَّجة، أمكن أن يُلاحظَه إِمامُه المقرِّرُ لتلك القاعدة في مذهبه: امتَنَع التخريجُ، فإِنَّ القياس مع الفَرْقِ باطل، ولأن نسبةَ المفتي إِلى قواعد مذهبه كنسبة المجتهد إِلى قواعد الشريعة، فكما يَمتنعُ على المجتهد القياسُ على قواعد الشرع مع الفارق، كذلك يَمتنعُ قياسُ المفتي مع قيامِ الفارق.
ولهذا التقرير لا يَجوزُ لمفتٍ أن يُخرِّجَ غيرَ المنصوص على المنصوص إِلَّا إِذا كان شديدَ الاستحضار لقواعدِ مذهبه وقواعدِ الإِجماع، وبقَدْرِ ضَعْفِه في ذلك يَتَّجِهُ منعُه من التخريج، بل لا يُفتي حينئذ إِلَّا بمنصوصٍ إِن كان له الاطلاعُ على منقولاتِ مذهبه، بحيث لا يَخفَى عليه غالبًا أنه ليس في مذهبه ما يقتضِي تقييدَ هذا النَّصَ المطلَقِ الذي أَفتى به، ولا يُخصِّصُ عمومَه.
فإِن لم يكن له هذه الأهليةُ ولا هذا الاطِّلاِعُ امتَنَع أن يُفتي مطلقًا، حَفِظَ نَصَّ المسألةِ أم لا؟ لأنَّ هذا النص الذي حفِظه يَحتمل أن يكون قُيِّد في المذهب بقيدٍ غيرِ موجود في الفتيا، وتَحرُمُ عليه الفُتيا حينئذ.
وهذا يقتضي أنَّ مَنْ لا يدري أصولَ الفقه يَمتنعُ عليه الفُتيا، فإِنه