يقول العبدُ الفقير إلى الله تعالى عبد الفتاح بن محمد أبو غدة - عفا الله عنه وعن والديه، وأكرمهم بإحسانه يوم القدوم عليه -: فرغتُ من خدمةِ هذا الكتاب والمقابلةِ بين نُسَخِه والتعليقِ عليه بما تيسَّر، في أواخر رجب من سنة ١٣٨٦، في السجن الحربي في بلدة تَدمُر في قلبِ بادية الشام قُربَ مدينة حمص، معتقلاً في سبيل الله والإِسلام.
وقد داهمني الظَّلمَةُ ليلاً، وكان أقربَ شيء إليَّ وأنا أَخرجُ بعد منتصف الليل من بيتي إلى المعتقل: كتابُ "الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام" من نسختي التي نسختها وقابلتها بأربع نُسَخ مخطوطة، وأَثبتُّ عليها كلَّ المغايرات بين النسخ، فاصطحبتُها معي، وكتابٌ آخرُ هو كتابُ "قواعد في علوم الحديث" لشيخنا العلامة المحدِّث الفقيه الجليل مولانا الشيخ ظَفَر أحمد التَّهَانَوِي - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -.
ولمَّا أُودِعتُ في المعتقل قرأتُ هذا الكتاب "الإِحكام"، قراءة بحث ودرس لنصوصه ومغايراتِ نُسَخِه، وعلَّقتُ عليه بما يُستطاع لمثلي في تلك الحال. ثم فرَّج الله عني بعد سنةٍ إِلا شهراً، فأضفتُ إليه بعد خروجي من المعتقل، في بلدي حلب: بعض التعليقات المتمِّمة، فاكتمل بحمد الله على الوجه الذي خَرَج عليه في الطبعة الأولى سنة ١٣٨٧، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، ونعوذ بالله من حال أهل النار.
وهذه الطبعة الثانية الممتازة عن الطبعة الأولى بزيادةِ التعليقاتِ والتصويباتِ الكثيرة الهامة جداً، التي استفدتها من النسخة المخطوطة المغربية - الخامسة - التي وقفتُ عليها في الخزانة العامة بالرباط في المغرب: فرغتُ من النظر فيها ومن خدمتها للطباعة - سوى مراجعات يسيرة - في مدينة فان كوفر من كندا سنة ١٤٠٩. ثم لم يتيسر في إتمام إنجازها لشواغل علمية، وأسفار اضطرارية، إِلا في مدينة تورنتو من كندا أيضاً سنة ١٤١٤، فأكرمني الله تعالى بإتمام خدمتها وإكمال نَضْرَتها على الوجه الذي يراه القارئ الكريم. راجياً من الإخوة المستفيدين دعواتِهم، ومن الأفاضل العلماء المفيدين إفاداتِهم، والله يجزي المحسنين، والحمد لله رب العالمين.