للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التَّنْبِيهُ الخَامِسُ

ينبغي للمفتي أن لا يأخُذَ بظاهرِ لفظِ المستفتي العاميّ حتى يَتبيَّن مقصودَه، فإِنَّ العامَّة ربما عبَّروا بالألفاظ الصريحة عن غير مدلول ذلك اللفظ، ومتى كان حالُ المستفتي لا تَصْلُح له تلك العبارة ولا ذلك المعنى، فذلك رِيبةٌ ينبغي للمفتي الكشفُ عن حقيقة الحال كيف هو؟ ولا يَعتمدُ على لفظِ الفُتيا أو لفظِ المستفتي، فإِذا تحقَّقَ الواقعَ في نفس الأمر ما هو؟ أفتاه، وإِلا فلا يُفتيه مع الرِّيبة (١).


(١) أي الشَّكِّ في فَهْمِ كلامه. وقد كان بعض فقهاء السلف من التابعين إذا سأله المستفتي استعاده السُّؤَالُ مرة ثانية ليتثبَّتَ من صوابِ فهمِهِ لسؤالِه، ولمَعانِ أُخَرَ أيضًا. قال الشيخ ابن القيم في "إعلام الموقعين" ١٦٨:٢ "كان أيوب - السَّخْتياني البصري التابعي أحد الفقهاء العُبَّاد، المتوفى سنة ١٣١ - إذا سأله السائل قال له: أَعِدْ، فإن أعاد السؤال كما سأله عنه أولًا أجابه، وإلَّا لم يجبه.
وهذا من فهمِهِ وفطنتِهِ - رَحِمَهُ اللهُ -، وفي ذلك فوائد عديدة، منها: أن المسألة تزداد وضوحًا وبيانًا بتفهم السؤال. ومنها: أن السائل لعله أهمل فيه أمرًا يتغيَّرُ به الحكم، فإذا أعادها ربما بيَّنه له. ومنها: أن المسؤول قد يكون ذاهلًا عن السؤال أولًا، ثم يحضُرُ ذهنُه بعدَ ذلك. ومنها: أنه ربما بان له تعنُّتُ السائل، وأنه وضع المسألة - أي صَنَعها واختَلَقها -، فإذا غيَّر السؤالَ وزاد فيه ونقص فربما ظهر له أن المسألة لا حقيقة لها، وأنها من الأُغلوطات أو غيرِ الواقعات التي لا يجبُ الجوابُ عنها، فإن الجوابَ بالظن إنما يجوز عند الضرورة، فإذا وقعت المسألة صارَتْ حال ضرورة، فيكون التوفيق إلى الصواب أقرب، والله أعلم". انتهى.
قلت: الإستعادة للسؤال مستحسنة فيما يشكل فهمه على المفتي ولو بعض =

<<  <   >  >>