للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التَّنْبِيهُ الثَّانِي

ينبغي للمفتي إِذا جاءته فُتيا وصاحبُها يقول: ما تقولون في كذا في مذهب مالك هل يَلزَمُني أم لا؟ فإني شافعيُّ المذهب، وقد التزمتُ مذهبَ مالك. فلا يُفتيه المالكيُّ باللزوم أو بِعَدَمِ اللزوم من مذهب مالك، مع أنَّ مذهب الشافعي يُخالفُه، لأجلِ قوله: وأنا شافعيُّ المذهب، فإِنَّ الذي عليه الفُتيا في مذهب مالكِ امتناعُ انتقالِ المالكيِّ لمذهب الشافعي في مسألة، وكذا انتقالُ الشافعيّ إِلى مذهبِ مالك في مسألة.

وإِذا كانت الفُتيا على المنعِ من الإنتقال، فالحقُّ الذي يَنبني على امتناعِ الانتقال إنما هو في مذهب مالك لازمٌ للناس، وغيرُ لازم في مذهب الشافعي، وإِنه لا يَلزمه شيءٌ يخالفُه مذهبُ الشافعي (١). وكذلك لا يُباحُ له ما يُباحُ للمالكية إِذا كان الشافعيُّ يَمنعه، لأنَّ الإنتقالَ ممنوع، والبقاءَ على مذهبه الذي قلَّده أولًا متعيِّنٌ، وحُكمُ الله تعالى في حقَّه ما قاله إِمامُه دون ما قاله غيرُه. وهذه دَسِيْسَةٌ تقِلُّ التفطُّنُ لها (٢).


(١) وقعت العبارة في الأصول الخمسة هكذا: (وغيرُ لازم في مذهب الشافعي إنه لا يلزم هذا وإنه لا يلزمه شيء ...) فأثبتها كما ترى.
(٢) وعند الحنفية إذا كتَبَ شافعي للمفتي الحنفي: ما قولُ الشافعي في كذا؟ قيل: يَكتبُ له جوابَ أبي حنيفة، بناءً على ما قيل: إنه يجبُ على المقلِّد اعتقادُ أن مذهبَه صوابٌ يَحتمِلُ الخطأ، ومذهبَ غيره خطأ يَحتمِلُ الصواب. وهذا مبنيٌّ على أنه لا يجوز تقليدُ المفضول مع وجود الأفضل، والحقُّ جوازُه. وهذا الإعتقادُ إنما هو في حق المجتهد، لا في حق التابع المقلِّد، فإن المقلِّد ينجو بتقليد واحدٍ منهم في الفروع، ولا =

<<  <   >  >>