فلقيت بها صدوراً أكابر وبحُوراً زواخر، كقاضي القضاة ناصر الدين ابن المنيِّر، والكمال التَّنَسِي، وناصر الدين ابن الأبياري، وضياء الدين بن العلاق، ومحيي الدين حسَّان رأسِه، فأخذتُ عنهم.
ثم رحلتُ للقاهرة إلى شيخ المالكية في وقته، فَقِيدِ الأشكال والأقران، نَسيجِ وحده وثَمَر سَعْده، ذي العقلِ الوافي، والذهنِ الصافي، الشهابِ القَرَافي، كان مُبرِّزاً على النُّظَّار، مُحرِزاً قَصَبَ السَّبْق، جامعاً للفنون، معتكفاً على التعليم على الدوام، فأحلَّني محل السوادِ من العين، والرُّوح من الجسد ... ".
فهو إمامٌ رُحلة قُدوة، أُجمِعَ على إمامته في عصره من المالكية وغيرهم، قال قاضي القضاة تقي الدين ابنُ شُكر: أجمع الشافعية والمالكية على أن أفضل أهل عصرنا بالديار المصرية ثلاثة: القرافيُّ بمصر القديمة، والشيخُ ناصر الدين ابنُ المنير بالإسكندرية، والشيخ ابنُ دَقِيق العِيْد بالقاهرة المُعِزِّيَّة" نقله ابن فرحون في "الديباج المُذْهَب" ص ٦٥.
قلت: بل قد عَدَّه الإمام السيوطي في "حسن المحاضرة" ١: ١٢٧ في طبقة من كان بمصر من المجتهدين وترجَمَهُ فيهم، ولم يترجمه في جملة العلماء الملتزمين للمذاهب الأربعة، ونقَلَ قولَ قاضي القضاة ابنِ شُكرٍ أيضاً. وهذا نظرٌ سديد من الِإمام السيوطي - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -.
وكان - إلى جانب إمامته وتبحره في علوم الشريعة وفنونها - من الفلكيين الرياضيين، النَّبَغَةِ البارعين النوادر في عمل التماثيل المتحركة في الآلاتِ الفلكية.
قال في كتابه "نفائس الأصول في شرح المحصول" ١: ١٠٨ من النسخة المخطوطة في ثلاثة أجزاء بدار الكتب المصرية، وهو يبحث في فصل (الكلام في اللغات) عن الدلالة الصوتية: هل مجرَّدُ الصوت يَدُلُّ على صاحبه؟ فبيَّن أنَّه لا يكفي أن نسمعَ الصوت فنقول: إنه لا بد من شخصٍ صاحبٍ لهذا الصوت، لأنَّ الصوت يُصنعُ في غير الإنسان. ثم قال: