يقول العبدُ الفقير إِلى عفو رَبّه أحمدُ بن إِدريس المالكيُّ عفا الله عنه:
الحمدُ لله الملِكِ المالكِ لجميعِ الأكوان، الذي من هِباتِه الممالكُ فهو الكريم المنَّان، الذي لا يكونُ قضاؤه إِلَّا بالعدلِ أو الِإحسان. أنزل الرسائل، وشَرَع الوسائل لنِعَمِه الحِسان، فظهر الحق، وعُرِفَ العدل، وزَهَق العُدوان، يُضاعِف الحسنات، ويمحو السيئات، فهو المَلِكُ الدَّيَّان. يُسْجِلُ العَطاء، ويُسبِلُ الغِطاء، ويُوالي الغُفران.
وأفضلُ صلواتِه على خير خلقه المبعوثِ مِن عدنان، القاضي الأحكم، والإِمام الأقوم، والرسولِ الأعظم، للإِنس والجان. صلَّى الله عليه وسلَّم وعلى آلهِ وأصحابِه، وأزواجِه وأنصارِه، صلاةً تُبلِّغُهم أعلى الجنان، في دار الأمان. ونَحوزُ بها من الله تعالى أفضلَ الرضوان.
أما بعد: فإنَّه قد وَقَع بيني وبين الفُضَلاءِ مع تطاول الأيامِ مَباحثُ في أمر الفَرْقِ بين الفُتْيا التي تَبْقى معها فُتْيا المخالِف، وبين الحُكم الذي لا يَنقضُه المخالِف، وبين تصرُّفاتِ الحُكام وتصرُّفاتِ الأئمة. ويُختلَفُ في إِثباتِ أهِلَّة رمضان بالشاهد الواحد، هل يَلْزَمُ ذلك من لا يَرى إِثباتَه إِلَّا بالشاهدينِ أم لا؟ ويُختَلفُ إِذا باع الحاكمُ مِن مالِ الأيتام شيئًا هل ذلك حُكمٌ بصحةِ ذلك البيع؟ فلا يَنقضُه غيرُه أم لا؟ وهل إِذا حَكَم بعدالةِ إِنسانٍ هل لغيره أن يُبطلها؟ أم ذلك حكمٌ لا يُنقَض؟ ونحوِ هذه المسائل.