ما الفرقُ بين تصرُّفِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بالفُتيا والتبليغ، وبين تصرُّفِه بالقضاء، وبين تصرُّفِه بالِإمامة؟ وهل آثارُ هذه التصرُّفات مختلِفةٌ في الشريعة والأحكامِ أو الجميعُ سواءٌ في ذلك؟ وهل بين الرسالة وهذه الأمور الثلاثةِ فَرْقٌ أو الرسالةُ عَيْن الفُتيا؟ وإِذا قلتم: إِنها عَيْن الفُتيا أو غيرُها، فهل النُبوَّة كذلك أو بينها وبين الرسالة فَرْقٌ في ذلك؟ فهذه مقامات جليلة، وحقائقُ عظيمة شريفة، يَتعيَّن بيانُها وكشفُها والعنايةُ بها، فإِنَّ العلم يَشْرُفُ بشرف المعلوم (١).
جَوَابُهُ
أنَّ تصرُّف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالفُتْيا هو إِخبارُه عن الله تعالى بما يَجِدُهُ في الأدلَّةِ من حُكم الله تبارك تعالى، كما قلناه في غيره - صلى الله عليه وسلم - من المُفتين.
وتصرُّفُهُ - صلى الله عليه وسلم - بالتبليغ هو مقتضى الرسالة، والرسالَةُ هي أَمْرُ الله تعالى له بذلك التبليغ. فهو - صلى الله عليه وسلم - يَنْقُلُ عن الحقّ للخلقِ في مقامِ الرسالةِ: ما وَصَل إِليه عن الله تعالى. فهو في هذا المقام مبلِّغٌ وناقلٌ عن الله تعالى. ووَرِثَ عنه - صلى الله عليه وسلم - هذا المقامَ المحدِّثون رُواةُ الأحاديثِ النبويةِ وحَمَلَةُ الكتابِ العزيز لتعليمه
(١) هذا السُّؤَالُ بتقاسيمه الأربعة وجوابه بالأمثلة والتفصيل، استقاه الإِمام ابن القيم في كتابه "زاد المعاد" ٢: ٤٥٦ - ٤٥٨، وذكره بتلخيص وإجمال عَقِبَ ذكرِهِ غزوة حُنَين، دون أن يشير إلى مُنشئِه ومُفَصِّله الإمامِ القرافي - رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى -.