ما معنى مذهبِ مالكِ الذي يقلَّدُ فيه ومذهبِ غيرِه من العلماء؟ فإِن قلتم: ما يقوله مِن الحقّ، أشكلَ ذلك بقوله: الواحدُ نصف الإثنين، وسائرِ الحسابيات والعقليات، وإِن قلتم: ما يقوله من الحق في الأمور الشرعية مما طلبَهُ صاحبُ الشرع، بطَلَ ذلك بأصولِ الدين وأصولِ الفقه، فإِنها أمورٌ طَلَبها صاحبُ الشرع، ولا يجوز التقليدُ فيها لمالكٍ ولا غيرِه.
فإِن قلتم: مذهبُ مالكٍ وغيرِه من العلماء الذين يقلَّدون فيه هو الفروعُ الشرعية. قلتُ: إِن أردتم جميعَ الفروع بطَلَ ذلك بالفروع المعلومة من الدين بالضرورة، كالصلوات الخمسِ، وصوم شهر رمضان، وتحريمِ الكذبِ والزِّنى والسرقةِ ونحوِها، فإِنها يَبطلُ فيها التقليدُ لكونها ضروريَّة، والمعلومُ من الدين بالضرورة يستحيلُ فيه التقليدُ، لاستواءِ العامَّةِ والخاصَّةِ فيه، وهي من الفروع.
وإِن أردتم بعضَ الفروع فما ضابطُه؟ ثم إِنْ بيَّنتُم ضابطَه لا يتمُ لكم المقصود؛ لأنَّ الحد حينئذ لا يكون جامعاً، فإِنه خرَجَ عنه ما تَقلَّدتم فيه من أسباب الأحكام وشروطِها، فإِنَّ أسبابَ الأحكام وشروطَها غيرُها, ولذلك قال العلماء: الأحكام مِن خِطابِ التكليف، والأسبابُ والشروطُ مِن بابِ خِطابِ الوضع، فهما بابانِ متباينان.
ولأجلِ هذه الأسئلةِ لا يكادُ فقيه من ضعفَةِ الفقهاء يُسألُ عن حقيقةِ مذهب إمامِه الذي يقلدُ فيه فيَعرفه على التحقيق، وهذا عامٌّ في جميع