لا يَدري قواعدَ الفروقِ والتخصيصات والتقييداتِ على اختلاف أنواعِها إِلَّا مَن دَرَى أصولَ الفقه ومارَسَهُ.
مسألة
كان الأصلُ تقتضي ألا تَجوزَ الفُتيا إِلَّا بما يَرويه العدلُ عن العدل، عن المجتهِد الذي يُقلِّدُه المفتي حتى يَصِحَّ ذلك عند المفتي (١)، كما تصحُّ الأحاديث عند المجتهد، لأنه نقلٌ لدين الله تعالى في المَوْضِعَيْنِ. وغيرُ هذا كان ينبغي أن يَحرُم. غير أنَّ الناس توسَّعوا في هذا العصر فصاروا يُفتون من كتبٍ يطالعونها من غير رواية، وهو خطَرٌ عظيم في الدين وخروجٌ عن القواعد.
غير أنَّ الكتبَ المشهورةَ لِشُهرتِها بَعُدَتْ بُعدًا شديدًا عن التحريف والتزوير، فاعتَمَد الناسُ عليها اعتمادًا على ظاهر الحال. ولذلك أيضًا أُهملت روايةُ كتبِ النحو واللغةِ بالعنعنة عن العدول، بناءً على بُعدها عن التحريف، وإِن كانت اللغة هي أساسَ الشرع في الكتاب والسُّنَّة، فإِهمالُ ذلك في اللغةِ والنحوِ والتصريفِ قديمًا وحديثًا، يَعْضُدُ أهلَ العصر في إِهمال ذلك في كتب الفقه بجامعِ بُعد الجميع عن التحريف.
وعلى هذا تحرُمُ الفتوى من الكتب الغريبة التي لم تَشتهر، حتى تتظافَرَ عليها الخواطرُ ويُعلَمَ صِحَّةُ ما فيها، وكذلك الكتبُ الحديثةُ التصنيفِ إِذا لم يَشتهر عَزْوُ ما فيها من النُّقول إِلى الكتب المشهورة، أو يُعلَمْ أنَّ مُصنِّفَها كان يعتمدُ هذا النوعَ من الصحة، وهو موثوق بعدالته، وكذلك حواشي
(١) هذه المسألة بتمامها منقولة في "تبصرة الحكام" ١: ٥٤ - ٥٥، ٥٨ - ٥٩، و "معين الحكام" ص ٢٧ - ٢٨، ٣٢.