للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذه نحوُ عَشْر مسائل نقَلها ابنُ يونس، وإِنَّ الفتاوى تتقى فيها، ويُنقَضُ الحكمُ (١). فيَبقى قولُ صاحبِ "الجواهر": "إِنا إِذا قلنا: لا يُنْقَض الحكمُ لا يأخذ المالكيُّ شُفعة الجار". مع أنَّ ابن يونس ما نقَلَها إِلَّا في أنَّ الحكم يُنقَض، فبَيْنَ النقلينِ تنافٍ كما ترى.

فإِن كان مرادُ صاحب "الجواهر" هاتين المسألتين فهو صحيح، غير أن عبارتَه وتفريعَه على عدمِ نقضِ الحكم يأبى ذلك، مع أنه لم يُمثّل إلَّا بشُفعةِ الجار ومَنْ طُلِّقَ عليه بشهادة الزُّور. وكونُهُ لم يُمثل إِلَّا بالمسألتين يُشعِرُ بأنه لم يُرد إِلَّا إِياهما، وتفريعُهُ على عدم النقض في الحكم يأبى ذلك. فهذا اضطراب لم يوجد لغيره، مع أنَّ نُقولَ المذهب تأباه، وذلك في مسائل:

إِحداها: أنَّ الساعي إِذا أخَذَ شاة من أربعين شاة لأربعين مالكاَ، مقلِّداً لمذهبِ الشافعي، قال الأصحاب بتوزيع الشاة على الأربعين مالكاً، وأفتَوْا قبل أخْذِ الساعي لها أنَها - إِنْ أخَذَها غيرَ متأوِّلٍ ولا حاكمٍ - مَظْلَمة (٢)، ولا تُوزَّع، وتَختصُّ بمن أُخِذَتْ منه. فقد تغثرتْ فُتياهم باعتبارِ مقتضى مذهبهم، وباعتبارِ طرَيَانِ الحكم (٣)، فدَلَّ ذلك على أنَّ حُكم الحاكم يرفعُ الفتاوى، وتصيرِ المسألةُ كالمجمَعِ عليها بسبب اتصالِ حكمِ الحاكم بها.

وثانيها: في "المدوَّنة": إذا كان لأحدِهما أحَدَ عَشَر، وللآخَرِ مئةٌ


(١) وخالف في ذلك ابنُ عبد الحكم تلميذُ مالكِ فقال: لا يُنقَضُ قضاءُ القاضي في هذه المسائل، كما نقله عنه المؤلف القرافي في كتابه "الفروق" ٤: ٤١ في الفرق (٢٢٣) فقال بعدَ ذكرِها: "وخالَفَ ابنُ عبد الحكم وقال: لا تنقَضُ شُفْعَةٌ وما ذُكِرَ معه من الفروع، لضعفِ مُوجِبِ النقضِ عنده، وجمهورُ الأصحابِ على خلافِه".
(٢) في الأصول الخمسة: (أنها مَظلمة).
(٣) أي طروئه وحُدوثه.

<<  <   >  >>