فتغيَّرت الفُتْيا ببيعِ الحاكم لأنه مُستلزِمٌ للحكم، وبطَلَ العتقُ، وكانت الفُتيا في بيعِ الغرماء وبيعِ المعتق أن البيع يَبطل باليسار، ويَنْفُذُ العتق، وفي الصُّورتين بَيْع، وفي الصورتين تعلُقُ حق الغرماء، وفي الصُّورتين طَرَيانُ اليُسرِ بعدَ العُسر، ولا فارقَ في تغيُّر الفُتيا إِلَّا حكمُ الحاكم.
وسابعها: قال مالك: إِن خُرِصَتْ الثمارُ فنَقَصت لم يُعتبَر النقصُ، لأنَّ الخارص حاكم، ولو لم تُخرَص الثمار وكانت عند وقت الوجوب أقلُّ من النصاب: لم تجب الزكاة، وهاهنا هي في وقت الوجوب أقلُّ من النصاب، وقد أفتى بوجوب الزكاة لأجلِ حُكم الحاكم.
فقد تغيَّرت الفُتيا لأجل الحكم، وهذا مع تبيُّن خطئه، وكلامُنا في الحاكم إِذا لم يَتبيَّن خطؤه، فهو أولى وأحرى بأن تَتغيَّر الفُتيا لأجله (١).
وثامنها: ما قال ابنُ يونس عن جماعة من الأصحاب في كتاب إِحياء المَوَات: إِذا شَرَع اثنانِ في بناءِ بئرينِ لكل واحدٍ منهما بئر، بعد تنازعٍ بينهما في الحَرِيم لذينك البئرين ونفيِ الضرر عنهما، فحكمَ حاكمٌ بعدَمَ الضرر، ثم تبيَّن الضَّررُ: إِنه ليس للمضرور منهما إِزالةُ الضرر، وقد سَقَط حقُّه منه، لأنه بحكم حاكم.
وقولُهم:(سَقَط حقُّه) فُتْيَا، فقد تغيَّرت الفُتيا بسبب حكم الحاكم، فإِنه لولا حُكْم الحاكم لكان له دَرْءُ الضرَّرِ عن نفسه، وكُنَّا نُفتيه بذلك اتفاقاً.
فإِذا تغيَّرت الفُتيا للحكم وإِن تبيَّنَ خطؤه فأولى أن تتغيَّر بالحكم الذي لم يتبيَّن خطؤه. وما وقع في هذه المسألةِ وفي مسألةِ الخَرْص التي قبلَها بَيْنَ
(١) سيأتي بحثُ الخَرْص موشَعاً في جواب (السؤال الثالث والثلاثون) في الرتبة الثالثة عشرة ص ١٧٤، فانظره.