٣ - وإن وقع السؤالُ عن مَسْح الرأس في حقّ من قلَّد الشافعيَّ القائلَ بعدمِ الوجوب مثلًا، أفتيناه بعدمِ الَوجوب، لأنَّ الأُمَّة مجمعة على أنَّ المجتهد إِذا أدَّاه اجتهادُه إلى حُكم، فهو حُكمُ الله في حقه وحقِّ من قلَّده إِذا قام به سبَبُه.
وقولُنا:(إِذا قام به سَبَبُه) احترازٌ من أن يَجتهد في الزكاةِ ولا مالَ له، أو في النكاحِ ولا مَوْلِيَّةَ له، أو في القَضَاءِ ولا منصِبَ له. وإِذا انعقد الإِجماعُ على ذلك فلو أفتيناه بخلافه كنا خارقين للإجماع، بل هذا حُكمٌ مجمَعٌ عليه لا يجوز لأحد خِلافُه.
ونظيرُ هذه المسألة: عَشَرَةٌ اجتهدوا في طلب القِبلة، فأدَّى كلًا منهم اجتهادُه إلى جهةٍ غير الجهة التي أدَّى إِليها اجتهادُ التسعة الأُخَر، وبقي مع هذه العَشَرةِ جماعاتٌ عوامٌّ لا يُحسنون الإستدلالَ على القِبلة، فاتَّبَع كلَّ واحدٍ من العشرة جماعةٌ من أولئك العوامّ، فإِنَّ كلَّ واحدٍ من تلك العشرة العلماءِ بالإستدلال، الذين اختَلفتْ فيه ظنونُهم، واختار كلٌّ منهم جهةً غيرَ التي اختارها الآخَرُ، إِذا سأل التسعةَ الباقيةَ الذين خالفوه:
هل يَحْرُمُ عليَّ أن أُصلّي إِلى الجهة التي غلَبَ على ظني أنَّ الكعبة فيها أم لا؟ فإنهم يُفتونه بأنك يجبُ عليك وعلى من اتَّبَعك الصلاةُ للجهة التي غلَبَ على ظنّك أنَّ الكعبة فيها، ولا يَحرُمُ عليك، ونحن يَحرُمُ علينا أن نُصلّي إِليها، وكذلك من قلَّدَنا، لأنا نعتقد أنَّ الكعبة ليست فيها، فيصير إِجماعُ تلك العَشَرَةِ منعقِدًا على أنَّ حُكمَ الله في حقّ كلٍّ منهم ما أدَّى إليه اجتهادُه من تلك الجهات.