معه من الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين -، فعُرِف ذلك الصُقع بالقرافَة، وهو الكائن بين مصر وبِركة الأشراف والمسمَّى بالقرافة الكبيرة.
واشتهاري بالقَرافي ليس لأني من سُلالة هذه القبيلة بل للسُّكنى بالبقعة الخاصة مُدَةَ يسيرة، فاتفق الإشتهارُ بذلك، وإنما أنا من صِنهاجة الكائنة في قُطر مُرَّاكش بأرض المغرب ونشأتي ومولدي بمصر". نقله العلامة جُعَيط التونسي في أول حاشيته على "شرح تنقيح الفصول" ١: ٦ - ٧. فهو المعتَمدُ في بيان سبب نسبته باسم القرافي لا سِوَاه.
وقد آتاه الله من المواهب الفذة النادرة ما أهَّله أن يتلقى العلم عن فحول علماء عصره، وأئمة جهابذة دهره. ومن أشهر شيوخه الِإمامُ عز الدين بن عبد السلام الشَّافعي الملقَّب بسلطان العلماء، والِإمامُ شرف الدين محمد بن عمران الشَّهير بالشريف الكَرْكي، وقاضي القضاة شمس الدين أبو بكر محمد بن إبراهيم بن عبد الواحد الِإدريسي، والشيخ شمس الدين الخُسْرُوشَاهِي، والإِمام جمال الدين ابن الحاجب، وغيرُهم - رَحِمَهُمْ اللهُ تَعَالَى -.
وقد لازَمَ الشيخَ عزِّ الدين بنَ عبد السلام وأخَذَ عنه أكثر فنونه، واقتبَسَ منه العقليةَ العلمية، والفكرَ الحُرَّ المتزنَ المستنير. وكان الشيخ عز الدين قَدِمَ من الشام إلى مصر سنة ٦٣٩، وكان القرافي حينذاك في مطلع شبابه يبلغ من العمر نحو ١٥ عامًا، فلازمه حتى وفاته سنة ٦٦٠ نحوَ عشرين سنة.
وقد مَلَك الشيخُ عليه قلبَه ولُبَّه، بغزارة علمه، وثقابة ذهنه، ومتانة دينه، وقوة شخصيته، وبسالته في نُصرة الحق، وكريم تواضعه وورعه وفضله، فألقى القرافيُّ إليه بالمقاليد، ونَهَل منه وعَلَّ، وأكثر النقلَ والحديثَ عنه في كتبه، وأثنى عليه في كل مناسبة في مواضع كثيرة من تآليفه ثناءَ المرتوي من منهله، والعابِّ من بحر علمه الغزير النَّمِير، فقال في كتابه "الفروق" ٢: ١٩٧ في آخر الفرق (٩٥) بعد أن تحدَّثَ عن قاعدة من قواعد الشريعة، ودفَعَ ما يَرِدُ عليها من إشكالات قال: