وهذا أشَدُّ من مصيبةِ القضاء، وأدهى من كلِّ ما يَتوقعُ من البلاء، فليأخذ نفسَه بالمجاهدة، ويَسعى في اكتساب الخير ويطلبه، ويستصلح الناسَ بالرهبة والرغبة، ويُشَدِّدُ عليهم في الحق، فإن الله تعالى بفضله يجعلُ له في ولايتِهِ وجميعِ أموره فَرَجاً ومخرجاً. ولا يَجعَلْ حظه من الولاية المباهاة بالرئاسة وإنفاذِ الأمور، والإلتذاذِ بالمطاعم والملابس والمساكن، فيكونَ ممن خُوطب بقوله تعالى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا}! وليجتهد أن يكون جميلَ الهيئة، ظاهرَ الأبهة، وَقُورَ المِشية والجِلسة، حَسنَ النُطقِ والصَّمْت، محترِزاً في كلامه من الفضول وما لا حاجةَ به، كأنما يَعُدُّ حروفَه على نفسه عدّاً، فإنَ كلامه محفوظ، وزلَلَه في ذلك ملحوظ. وليكفلْ عند كلامه الإِشارة بيده والإلتفاتَ بوجهه، فإنَّ ذلك من عملِ المتكلِّفين وصُنْعِ غير المتأدَّبين. وليكن ضَحِكُه تبسُّماً، ونظرُهُ فِراسةَ وتوسُّماً، وإطراقُه تفهُماً. وليكن أبداً متردّياً بردائه، حسَنَ الزِّيّ، وليلبَسْ ما يليق به، فإن ذلك أهيبُ في حقّه، وأجملُ في شكله، وأدلُّ على فضلِه وعقلِه، وفي مخالفةِ ذلك نُزولٌ وتبذُّل. وليلزَم من السَّمت الحسنِ والسكينةِ والوقارِ ما يَحفظُ به مرُوءتَه، فتَمِيلُ الهِمَمُ إليه، ويَكْبُرُ في نفوسِ الخصومِ الجَراءةُ عليه، من غير تكبُّرِ يُظهرُه، ولا إعجابِ يَستشعرُه، فكلاهما شَيْنٌ في الدَّين، وعيبٌ في أخلاق المؤمنين"، نقله العلَّامة ابن فرحون في =