للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في تلك الحادثة.

وأن يكون قليلَ الطمع، كثيرَ الورع، فما أفلَح مستكثرٌ من الدنيا ومُعَظمٌ أهلَها وحُطامَها.

ولْيَبدأ بنفسه في كلّ خيرٍ يُفتي به، فهو أصلُ استقامةِ الخَلْقِ بفعلِهِ وقوله، قال الله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} (١). ومتى كان المفتي مُتَّقِياً لله تعالى وضَعَ الله البركةَ في قوله، ويسَّرَ قبولَه على مستمِعه (٢).


(١) من سورة البقرة، الآية ٤٤.
(٢) مَزجَ المؤلفُ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - في هذا التنبيه بين ما ينبغي للمفتي أو القاضي في خاصة نفسه، وفي سيرته مع الخصوم، وفي سيرته في الأحكام وما إلى ذلك، والخطبُ في ذلك سهل. وقد رأيت من المفيد أن أتمم مقاصده بذكر جُمَلٍ نافعة في الباب، انتقيتُها من "تبصرة الحكام" لإبن فرحون ١: ٢٢ - ٣٧، ٢٥ - ٤٠. رجاءَ النفع بها لمن زاول القضاء أو الإفتاء، فإنه أحوجُ ما يكون إلى التسديد والعون على هذه المهمة العالية، والله وليُّ التوفيق.
قال القاضي ابن فرحون - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -: "ويَلزمُ القاضيَ في خاصَّة نفسِهِ أمور:
١ - منها: أنه لا يقبل الهدية وإن كافا عليها أضعافَها إِلَّا من خواصّ القرابة، كالولدِ والوالدِ والعمَّةِ والخالةِ وبنتِ الأخ وشِبههم، لأنَّ الهدية تُورث إدلالَ المُهدِي وإغضاءَ المُهدَى إليه، وفي ذلك ضررُ القاضي ودخولُ الفساد عليه. وقيل: إنَّ الهدية تُطفئ نُور الحكمة. وقال ربيعة: إياك والهدية فإنها ذَرِيعة الرشوة.
وقال محمد بن محمد الحكم: لا بأس أن تقبلها من إخوانه الذين كان يُعرَف له قبولُها منهم قبل الولاية، وقد كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - تقبل الهدية من إخوانه، وقيل: لا يَسوغُ له قبولُها منهم.
وقال ابن حبيب: لم تختلف العلماء في كراهية الهدية إلى السلطان الأكبر وإلى القُضاة والعُمَّال وجُباةِ المال، وهذا قول مالك ومن تبعه من أهل العلم والسنة، وكان =

<<  <   >  >>