في تمييزها إلى مكبِّرة، وإلى جانب ذلك كان دقيق الملاحظة في الفوارق بين الدقائق المتشابهة في الآلات الصغيرة وخصائصها.
٢ - وكان منذ شبابه يحب الرياضة البدنية والمشي الطويل. وكان صَيَّاداً ماهراً، يَخرُج إلى الصيد مشياً في مواسمه المختلِفة في البراري والجبال وحَافَاتِ الأنهار: فيصطاد بالبندقية النارية من الطيور البَطَّ البري في حَافَاتِ الأنهار، والحَجَل في الجبال، والأطْرُغْلاَت في الرَّبِيع. ومن الحيوانات يصطاد الأرانب والغِزلان. ويَرمي الطيور وهي طائرة، والحيوانات وهي راكضة، فلا يُخطئها إلَّا نادرًا.
٣ - وكان سَدِيدَ الرماية لحدة بصره وثبات يده، ودقة ملاحظته وحسابه لحركة الأهداف المتحركة.
وأحببت يوماً أن أشاهِدَ رِمايتَهُ فتواعدنا على لقاء في المدرسة الشعبانية بحلب (وهي مدرسة وقفية واسعة كان يقوم بتدريس الفقه فيها جدي ثم والدي مدة حياتهما - رَحِمَهُمَا اللهُ -، ثم أنا مُدَّةَ من الزمن، وفيها بُحَيرةُ ماء كبيرة وحديقة وأَرْوِقَة وغُرَف كثيرة للطلاب ومرافق)، فجاء ببندقية (من النوع الذي يُستعمَل في مراكز الرِّهانِ والتدريب على التسديد تَرمِي حَبَّة رَصاص واحدةً صغيرة) وهي من صُنعِهِ صَنَعها بيده، وصَمث حَبَّاتِ رَصاصِها (الخُرْدُق)، وجئنا لأحد أروقة المدرسة، وفي سقوف قناطره سلاسل حديد لتعليق المصابيح، فكان يُصوَّبُ بندقيتَه إلى السلسلة فيرميها بالخُرْدُقَة فتبدأ السلسلة تَلُوح ذهاباً دهاياباً، فيرميها ثانية وهي متحركة فتغيِّرُ اتجاهها أيضاً وهكذا فلم يخطئها بواحدة.
ثم جاء بإبرة صغيرة فغرسها بين بلاطتين من الأرض حتى غاب نصفها وبقي نصفها ظاهراً، فابتعد عنها نحو ثلاثة أمتار، ثم صَوَّب البندقية ورماها بالخُرْدُقة فانكسرت الِإبرة وطار نصفُها البارز!!، ثمَّ كَرَّر العملية على إبرة أخرى.
ثم أتى بقطعة من الفَخار صغيرة مكسورة، التقطها من حديقة المدرسة، لا تتجاوز مِساحتُها (٤ - ٥) سنتيمترات، فرَكَزَها في مكان مرتفع بعُلُوّ قَامَةِ الإِنسان، وابتعد عنها نحو مترين أو ثلاثة، وأدار ظهره إلى قطعة الفخار المنصوبة، فوضع البندقية على كتفه الأيمن وفُوَّهتُها إلى الخَلْف، وأَمسَك بمَقْبِضِها الخَشَبي، وأَخرَج من جيبه مِرآةَ صغيرة مستديرة، وأمسَكَها بين إصبعَيْ يده اليُسرى وَرَكَزَها على مَقْبِض البندقية