ويستوي في دقة الصنع اليدوي لديه الأشياءُ والآلاتُ وقِطَعُ التبديل (قِطَع الغِيَار) الكبيرةُ بعض الشيء والصغيرةُ التي تَحتاجُ في تمييز أبعادها إلى نَظَّارة مكبِّرة قوية كنظَّارة الساعاتية التي توضع في مَحْجِرِ العين الواحدة.
٥ - وقد أراني يوماً مَّا مِيلاً فُولاذياً طُولُه نحو عشرة سنتيمترات أو أكثر، وغِلَظُه لا يزيد عن ثلاثة ميليمترات، وهو مضلَّع طولاً إلى سبعة أضلاع متساوية، اشتغله بيده بالمِبرد، صنعه في البداية مبروماً، ثم بَرَده بالمِبرد فجعله مضلَّعاً سبعةَ أضلاعِ متساويةٍ، لا تجد إذا نظرت بالمكبِّرة فرقاً بين ضلع وآخر ولا قَدرَ شعرة، ولا اعوجاجاً في أحد الأضلاع كأنه خارج من مصنع آلي.
وقد نبَّهني إلى الفرق العظيم في السهولة والصعوبة بين جعل أضلاعه زوجية (مثل: أربعة أوستة أو ثمانية) وبين جعلِها فَرْدِية (مثل: ثلاثة أو خمسة أو سبعة أو تسعة) فإخراج أضلاع طولانية متساوية في قضيب مَعدِني هو سهل إذا كانت الأضلاع زوجية متقابلة يتوازى فيها كلِّ ضلع مع ما يقابله كما لو كان باربعة أضلاع أو ستة أو ثمانية مثلاً. أما إذا كانت الأضلاع فردية مثل خمسة أو سبعة أو تسعة، فإن إخراجها متساوية بصنع اليد صعب جدا جداً، فإن التوازي بين كلِّ اثنين من الأضلاع المزدوجة يَجعَلُ من السهل على الصانع الموازنةَ بنيها.
وفي خلال الحرب العالمية الثانية انكسر في معمل شركة الغزل والنسيج بحلب تُزسٌ مُسَنَنٌ في أحد الأجهزة، وكان مسنناً في أسنانه تعرُّجٌ وحركات دقيقة، وتوقَّفَ المعملُ ولا يُمكِنُ جَلْبُ بديلِ جديد ولا يُمكِنُ لِحامُه. فذُكِرَ لهم الشيخ عبد الرحمن، فأتَوْه بالمسنَّن المكسور فصَنَع لهم بديلاً عنه كأنه هو حين كان جديدًا، وشَغَّلوا به الجهاز. وكان قَنُوعاً لا يُناقِش في الأجر، فأعطَوْه ثمناً له لو طَلَب عشرةَ أضعافه لما ترددوا في دفعه.
وفي خلال الحرب المذكورة أيضاً لجأ إليه صانعو الأحذية (الكندرجية)، إذْ كانوا يَثقُبُون الجلود التزيينية في وجه الحذاء بثَقَّابة صغيرة توضع محل الإِبرة في ماكِنَةِ الخياطة، فتثقب الجلد سطوراً منتظمة. وهي ثَقَّابَةٌ عِبارةٌ عن قَضِيبٍ صغير من الفولاذ، مفرَّغٍ نصفُه الأسفل بشكل أُنبوب، وحافَتُه السفلى المسديرة حادَّةٌ مسنونة، وفي جانبه