الثاني: أن هذه الصِّيَغ لو كانت إِخبارات، لكانت إما أن تكون كذبًا أو صدقًا. فإن كانت كَذِبًا: فلا عبرة بها، وإن كانت صِدْقًا فوقوعُ الطالِقِيَّةِ إما أن يكون متوقِّفًا على حصولِ هذه الصِّيَغ، أو لا يكون. فإن كان متوقِّفًا عليه: فهو مُحال، لأن كونَ الخبر صِدقًا يُتوقَّفُ على وجودِ المُخْبَرِ عنه، والمُخبَرُ عنه هاهنا هو: وجودُ الطالِقِيَّة، فالإخبارُ عن الطالقية يَتوقفُ كَوْنُه صِدقًا على حُصولِ الطالِقِيَّة، فلو توففَ حصولُ الطالقية على هذا الخبر، لَزِمَ الدُّورُ، وهو مُحال. وإن لم يكن متوقفًا عليه، فهذا الحكمُ لا بد له من سبب آخر، فبتقديرِ حصولِ ذلك السبب: تَقَعُ الطالِقِيَّةُ وإن لم يوجد هذا الخبر، وبتقدير عدمِهِ: لا توجد وإن وُجِدَ هذا الِإخبار، وذلك باطل بالإِجماع. فإن قيل: لمَ لا يجوز أن يكون تأثيرُ ذلك المؤثِّر في حصول الطالِقية، يَتوقَّفُ على هذه اللفظة؟ قلتُ: هذه اللفظة إذا كانت شَرْطًا لتأثير المؤثِّر في الطالِقية: وجَبَ تقدُّمُها على الطالِقِيَّة، لكنَّا بيَّنا أنَّا متى جعلناها خَبَرًا صِدقًا: لزم تقدُّمُ الطالِقِية عليها، فيعودُ الدُّوْر. الثالث: قولُه تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}، أمْرٌ بالتطليق، فيجبُ أن يكونَ قادرًا على التطليق، ومقدورُه ليس إلَّا قولُه: طلَّقتُ، فدلَ على أن ذلك مؤثِّر في الطالِقية. الرابع: لو أضاف الطلاقَ إلى الرجعيَّة وَقَع، وإن كان صادقًا بدون الوقوع، فثَبت أنه إنشاءٌ لا إخبار، والله أعلم".