للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= القولين المتساويين من غير ترجيح ولا معرفةِ أدلة القولين إجماعًا": تدافُعٌ وتناقضٌ كما توهَّمه القاضي برهان الدينَ ابن فرحون - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - في "تبصرته".
وبيانُهُ بأن يقال: قولُهُ: للحاكم أن يَحكم بأحد القولين الخ ... يقتضي أنه يجوز له الحكم بأحدهما ابتداء من غير تكليف بنظرِ في الراجح منهما. وقولُهُ: إذا تعارضت الأدلة عند المجتهد وتساوت وعجز عن الترجيح الخ ... يقتضي أنه لا يَحكم بغير الراجح إلَّا بعد إمعان النظرِ هل في القولين راجحٌ أو لا؟ حتى يَعجزَ عن الترجيح ويَحصُلَ التساوي.
قلتُ: لا تدافُعَ بين الكلامين ولا تناقض، لأن ما كُلِّفَ فيه بالنظر إنما هو حيث يكون في القولين راجِحٌ ومرجوحٌ والمقلِّدُ أهلٌ للترجيح، وحيث أجاز الحكمَ بأحد القولين من غير نظرٍ فرَضَ القولين متكافئين لا راجحَ فيهما في نظره، فلا تدافُعَ لعدم شرطه الذي هو اتحادُ المحكوم عليه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
فإن قلت: قولُهُ: "أمَّا الحكمُ والفتوى بما هو مرجوح فخلافُ الإِجماع". يُناقضُ قولَه: "فإن كان مقلِّداَ جاز له أن يفتي بالمشهور في مذهبه وأن يحكم به وإن لم يكن راجحًا عنده" ومُدافعٌ له.
قلتُ: الذي حُكِيَ الإِجماعُ على تحريمه ومنعه إنما هو أن لا يفتي بالراجح في نظره ولا في نظر مقلِّده وإمامه معًا، والذي جُوِّزَ فيه الحكُم والفتوى بالمرجوح إنما هو إذا كان راجحًا في نظر متبوعه مرجوحًا في نظره هو، فلم يخرج في محل الجواز عن الراجح جملة، وفي محل الإِجماع قد خَرَج عنه جملةً، والله أعلم".

<<  <   >  >>