فكلما تكلم كلمة؛ أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي ﷺ ومعه السيف وعليه المغفر، فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي ﷺ؛ ضرب يده بنعل السيف، وقال له: أخّر يدك عن لحية رسول الله ﷺ، فرفع عروة رأسه؛ فقال: من هذا؟ قال: المغيرة بن شعبة، فقال: أي غُدر! ألستُ أسعى في غدرتك؟ وكان المغيرة صحب قوماً في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم، فقال النبي ﷺ:"أمّا الإِسلام؛ فأقبل، وأما المال؛ فلست منه في شيء"، ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب النبي ﷺ بعينيه.
قال: فوالله ما تنخم رسول الله ﷺ نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم؛ فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم؛ ابتدروا أمره، وإذا توضأ؛ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا؛ خفضوا أصواتهم عنده، وما يُحدون إليه النظر تعظيماً له، فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أي قوم! والله؛ لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله؛ إن رأيت مليكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمداً، والله إن يتنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيماً له، وإنه قد عَرَضَ عليكم خطبة رشد فاقبلوها، فقال رجل من بني كنانة: دعوني آتيه، فقالوا: ائته، فلما أشرف على النبي ﷺ وأصحابه؛ قال رسول الله ﷺ:"هذا فلان! وهو من قوم يعظمون البُدن؛ فابعثوها له"؛ فبعثت له، واستقبله الناس يلبون، فلما رأى ذلك؛ قال: سبحان الله، ما ينبغي لهؤلاء أن يُصدوا عن البيت، فلما رجع إلى أصحابه؛ قال: رأيت البُدن قد قُلدت وأُشعرت، فما أَرى أن يُصدوا عن البيت، فقام رجل منهم يقال له: مِكرَزُ بن حفص فقال: دعوني آته؛ فقالوا: ائته، فلما أشرف عليهم؛ قال النبي ﷺ:"هذا مِكْرَزٌ، وهو رجل فاجر"، فجعل